يقال: «الجار قبل الدار»، مثَل اعتدنا سماعه في كثير من الدول، ولا شك أن له قصده الواضح ومحله الصائب ودلالاته الجلية على منزلة ومكانة الجوار التي أدركها البعض وأغفلها البعض الآخر، قيمة تمتد لتشمل أبعاداً واسعة رسخ أركانها الثابتة الدين الإسلامي ووضع لها دستوراً يرمي إلى غرس مبادئ الحقوق والواجبات للفرد ما له وما عليه تجاه نفسه وغيره، قواعد وأسس أصيلة تجسد بُعداً اجتماعياً للحياة الهانئة السعيدة كلما زاد تمسك الفرد بها كان أقرب إلى نيل مناله.

جارك إن طاب معشره وحسنت جيرته تصبح الأرض بعينك جنة، ذاك الذي ملكك بلطف وبشاشة وحُسن خلق وتعامل قبل جواره، تذكر طيبه وتداري ودّه وتراعي حقه عليك في كل حين، له من الواجب أكمله ومن التقدير أفضله، علاقة سامية فيها تسامى العيش فعلاً وقولاً بالاحترام المتبادل والتآلف، فلا ضرر ولا ضرار، نماذج متحضرة فكراً وأسلوباً، قد لا يربطك بها رابط وبذات الحين تجد كل المقومات الاجتماعية تجمعك بها، اختارت لها مساحتها وحياتها وتركت للناس حياتهم وتفاصيلها، الخصوصية عندهم تتعدى مفرداتها اللفظية والاحترام يفوق مجاله وحَدّه، رقي تعاملهم يفرض عليك التقدير وإيجاد العذر لهم في أصعب المواقف.

وإن حصل وجار عليك الجار أين مفرّك، الحلو يصير بعينك مُر فهو الذي معه تتحول صغائر الأمور إلى معضلات وقصص متواصلة الأجزاء إلى غير نهاية، مع هذا النموذج لا مجال للخصوصية التي لم يدرك شيئاً منها، ولا مجال للتغاضي فالتمادي سيد الموقف، ولا غير التنافس والمجاراة لك من مخرج، فالمقصود يدفعه فضوله وهواية التطفل قبل كل شيء والباقي عنده هيّن. وفي هذا النص النبوي الواضح والصريح، حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه».