تشرئب النستولوجيا بشكل مستشرٍ في حياتنا اليوم، وهي استعادة الأيام الخوالي، كشريط تقذفه الذاكرة بين الفينة والأخرى لنستذكر زمناً مضى، أو حياة تشرذمت بصمت مع تطور كل شيء، أو هوية ضلت الطريق نحو لا مكان، النستولوجيا القابعة في نفوسنا، تشبه التبتل العميق في صلاة أبدية، إنها انفصال مؤقت عن الواقع، كصراط يربط الأفول والاتقاد، الصمود والاستسلام، إنها الذكريات الصامدة في حاضر منخور بالظلال..!

لفت انتباهي في الآونة الأخيرة، انتشار الكثير من القنوات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى «الزمن الجميل»، والتي تستهدف نشر الأغاني القديمة للرسوم المتحركة، أو المسلسلات التي رافقتنا أيام الطفولة، ويتابعها عشرات الألوف، ويعلق البعض على المنشورات ذاكراً أنه يتمنى العودة لذلك الزمن، زمن البراءة والجمال..

ويُلح السؤال هنا: ألهذا الحد يشبه الماضي تلك الأوطان الغارقة في ذواتنا.. والتي لم نعثر عليها بعد..؟

تغمض عينيك لتتسلل إلى روحك تلك الرؤى التي استسلمت للأرق..، فتغدو الذكريات كنبع شفاء في داخلك..، يندفع من كل زاوية من زوايا روحك، مستدعياً الحاجة لعناق طويل ولاحتواء..، كلقاء الموج بالساحل، ككل تلك الأشياء اللطيفة التي تتعانق بفعل الحنين كفعل غريزي بحت..

الكتابة والعزف الوجداني جعلاني أعيش بين ضفاف زمنين؛ زمن ماضٍ أفتقد فيه رائحة العبث والانسلاخ اللامتناهي بين ضفاف روحي، وبين الحاضر الذي أصنع فيه ما سأهوى أن أتذكره بعد أن أعبر هذه السنين، وأتركها كبواعث على الأمل، أو أحلاماً أُؤثث بها مجاهيل الأزمنة القادمة، نحمل تلك القِربَة المثقوبة معنا أينما حللنا وارتحلنا، لتترك في كل مرحلة أثراً لنتذكره، ورغم أننا نَقْطُن اليوم عوالمَ رقمية تسودها العزلة والفردانية، ويحجب أفقها العمل المتواتر والضياع وسط صخب السكون، إلا أن ذكرياتنا الأثيرة بقيت كأيقونة مصلوبة على وميض الأمس، نهرول إليها ونَنْدسُ بأحضانها ونشكو خيبات أيامنا هذه..!