من منا لم ينبهر بما وصلت إليه دولة اليابان من تطور هائل، وتقدم ملحوظ بين جميع دول العالم، في مجالات كثيرة، وبلا شك قد يتساءل المعجبون بنهضة اليابان عن سبب هذا التقدم، وربما يفاجأون عندما يعرفون أنّ كل هذا التقدم الذي وصلت له تلك الدولة الآسيوية ليس بفضل ما تملكه من تكنولوجيا متقدمة، ولا بسبب عاداتها وتقاليدها، وإنما يكْمُن السبب في أنماط حياة اليابانيين، وفي اهتمامهم بتعليم المبادئ الإنسانية، وعنايتهم بالنظام التعليمي، ولذلك يقال اليوم إنّ العيش في اليابان يشبه العيشَ في المستقبل بعد مئة عام من الآن.
ولكل المهتمين بمجال التعليم في اليابان، وبأنظمته الناجحة، وبالتجارب المتقدمة في هذا الميدان الممتع نعرض لكم بعض السمات التي تميِّز التعليم عندهم، منها؛ أنّ دولة اليابان تفخر بأنّ جميع مواطنيها في عِداد المتعلمين، وأنّ نسبة الأمية فيهم قد أصبحت في درجة الصفر في المئة، وكانت اليابان قد أعلنت في عام 2000م أنّ أيَّ شخص من مواطنيها لا يجيد لغةً أجنبية أو لا يستطيع استخدام الحاسب الآلي يعدُّ في عداد الأميين.
لكنْ أين يكمن جوهر الانتشار الواسع للتعليم في اليابان؟ والجواب أنه يكمن في تقديس مفهوم «القيادة» أي في القبول للتوجيهات والطاعة في جميع مراحل التعليم، وهذا ما تؤكده الوقائع في المدارس اليابانية، إذ لا يوجد فيها حرسٌ، ولا عمّال نظافة، ولا بوّابون؛ وذلك لأنّ الطلبة يعون مسؤولياتهم في الالتزام بالحضور باكراً، ولا يتسربون من المدرسة، ويديرون فصولهم ومرافق مدرستهم بأنفسهم، فينظفون الأرضيات والنوافذ والحمامات وفناء المدرسة، في وقت مقداره عشرون دقيقة يومـيّاً تخصص لهذا النشاط، وهم يعدّون مدارسهم كمنازلهم، ولا غرابة أنْ تجد المدرسين بجانب الطلاب، يساعدونهم في عملية التنظيف.
وتتميز المدرسة اليابانية بأنها لا مقصف فيها لبيع الطعام للطلبة، وإنما يوجد فيها مطبخٌ تعمل فيه أستاذةُ تغذية، وعددٌ من المساعدات لطهي طعام للطلاب طازج وصحيّ يومياً، لأنهم يؤمنون بمدى أهمية الصحة والتعليم وارتباطهما بالتنشئة السليمة مـعاً، وتتسم الفصول الدراسية بأنها مهيَّأة بشكل صحي، لاسيما الطاولات التي تُشكَّل بطريقة تساعد الطالب على الجلوس السليم، وتولِـي المدرسة حصصَ التربية الرياضية أهميةً كبرى، ولا يمكن الاستغناء عنها، وذلك للحفاظ على صحة الطلبة، وسلامة أبدانهم.