لم يكن يشبه أي شيء ذلك اليوم، الذي سمعت به المعلمة تنادي أسماء الطالبات ذوات القصص الأقل حظاً في اختبار التعبير في المرحلة الابتدائية.

وكنت لحسن الطالع في رأس القائمة، لنصطف معاً، ونستمع لتوبيخ طويل، لا أتذكر تفاصيله، لكنني أتذكر جيداً السطر الأول من موشحة التأنيب تلك، التي كانت تقول فيها: قصص لا تشبه أي شيء غير الصفر، لأبتسم من تعبيرها، فأدفع الثمن أضعافاً.

لقد بدأت علاقتي مع الصفر من تلك الجملة، كشيء يشبه التمرد المحمود، كأفق بعيد إذا نظرت إليه لا ترى شيئاً، لكن إذا نظرت من خلاله ترى كل شيء، ترى العالم، ترى كل تلك الأدوات المركونة في ذاتك، والتي كنت تعتقد أنها لن تجدي. موقف واحد، وتوبيخ طويل، يغيران التفكير والإدراك، ينقبان عن معنى لروحك، ولما ستكون عليه، لأني لم أجد الصفر وقتها كعلامة ممهورة على ورقة بيضاء هزيلة، بل كان حفرة «أليس» السحرية لبلاد العجائب، التي ولجت غمارها، منذ ذلك الحين، ولم أعد.

قرأت ذات مرة: إن الكلمات الجارحة سميت جارحة، لأنها تسبب جروحاً حقيقية في الدماغ، وتميت خلايا عدة أو تتلف عملها، مسببة نوعاً من العطل في التفكير، لذا كثيراً ما يتحول الشخص المجروح إلى شخص فاشل غير منتج، فما بالك لو كان طفلاً!

من تجربتي في المرحلة الابتدائية، كان ما تقوله المعلمة كلاماً مقدساً لنا كأطفال، فإن مدحت تباهينا، وإن ذمت أصبحنا مثاراً للسخرية، لا سيما حينما يتعلق الموضوع بشيء تحبه، وهو في قصتي كان التعبير في حصة اللغة العربية، فكان وقع النقد صعباً، وتقبل سخرية البعض أصعب، ولكن يتشبث الطفل بالحلم حينما يجد من يلتمس خيط موهبته، ويدفعه للأمام، ليطور من مهاراته وإن وقع، فيحب ما يقوم به وينجح، ويشعر بالانتصار، فبعد عام واحد فقط، استطعت بعد كوني صفراً صغيراً، أن أحصد المركز الأول على مستوى الدولة في مسابقة القصص القصيرة للناشئة، ببساطة، لأن الصفر ألهمني.