تكمن معظم مشاكلنا في أننا نقدس المقولات الجاهزة، كضرورة الانحناء للريح، والحقيقة أن الواقع يخبرنا العكس، بأن الذين كسرتهم الريح خلدهم التاريخ، وأن الذين انحنوا، بقيت آمالهم قيد الحلم، حائرين.. هل يؤمنون بالنصف الممتلئ أم الفارغ من الكأس؟ لا حلول ترضيهم، ولا أرض وسطى تنتصر بها قناعاتهم..!
يؤمن المنحنون بأن الحياة حفلة تنكرية أبدية، تلتصق بها الأقنعة بحواسنا وأرواحنا قبل وجوهنا، نصبغ الأحاديث بحكايا لم نألفها، ولا تَهِشُّ مِنْسَأةُ الروح قطيع الكلمات المهدورة على ناصية الكرامة والأخلاق والقيم، تَبعثُرٌ لا يأفل، كي لا تنطفئ تلك الروح وتدور في فلك القطيع، خائفة من أن تكون من المغضوب عليهم أو الضالين، تخشى ضياع الفرص في فوضى الوعود، من أن تكون متمردةً في فسحة سيريالية تبتلع قناعاتها، للهروب من المعاناة الاجتماعية، هي حرية موؤودة، في مجتمع يعيش الغالبية فيه منقادي المشاعر وموجهي السلوك..، مجتمع يجب أن تؤدي به دورك «كمهرج محترف» أكثر من البذل أو العطاء..!
وعلى النقيض تماماً، يقف المنكسرون في وجه العاصفة ليجمعوا فُتات أفكارهم، ويعيدوا ترميمها مرات عديدة، لا يستسلمون لِلَكمات الحياة اليومية، يقفون وتتحدث أحلامهم قبل بنات شفاههم، مؤمنين برسالتهم، بالبحث عن ضفة النور القصية التي لا يراها المنحنون، متشبثين بالسماء، مؤمنين أن رسالتهم مشروع له محفزات خاصة، ومناخ نفسي خاص، وأسلوب خاص، عالم كامل الأركان يسكنهم، يعيد صياغة الأفكار، ليخرجها من مسارها الخاص إلى مسار جمعي تشاركي، تنص متونها على ألا تعيد نفسك، هي النضال المحمود في ثورة التغيير، من لا ينتظرون الفرص بل ينتهجون نهجاً خاصاً في صناعتها..!
إن ديمومة الوقوف بعد كل انكسار، هي كل ما نحتاجه لنصنع تغييراً حقيقياً، مؤمنين أن التحليق خارج السرب ما هو إلا هدوء مُنتِج في زمن صخب الأحداث، وأن الاختلاف ليس تخلفاً، وأن التريث المدروس ليس كسلاً، وأن كسر حاجز الصمت عتبة الوثوب الأولى نحو ضفاف تحقيق الذات..!