بين النقد والانتقاد بون شاسع، وفيهما تهدينا «لغة الضاد» معاني عديدة كفيلة بأن توضح هذا الفرق الذي يبدو أن البعض لا يدركه، فيصبح النقد والانتقاد لديه سيان، دون أن يدرك بأن النقد هو «فعل غير منحاز يوضح الإيجابيات والسلبيات دون اعتداء أو اتهام»، بينما الانتقاد هو «فعل يهتم بتصيد الأخطاء واكتشاف مواضع الخلل من دون تصويب»، ليأتي استخدامه دائماً للانتقاص من الآخر.
في الأعمال الأدبية والعلمية والمؤلفات على اختلافها يكثر النقد ويتجلى، وله علم قائم بذاته وأناس نذروا أنفسهم لأجله، ليعملوا على تصويب الأفكار والأعمال التي يطل بها الكتاب والأدباء والشعراء ومن يسير في دروبهم، والذين ينظرون للنقد بعين إيجابية، لما فيه تجويد لأعمالهم.
ولكننا في الواقع نفتقد هذه النظرة في ساحات «التواصل الاجتماعي» التي تتجلى فيها معاني «الانتقاد» التي تأتينا من أشخاص لا علم ولا خبرة لهم في ما يطرح، ليقيموا أحكامهم بناءً على ردود أفعال عاطفية، وجلها تكون منحازة لطرف على حساب الآخر، ويأتي ذلك نتيجة لتعودهم على رمي الآخرين بسهامهم كيفما شاؤوا، نتيجة تبنيهم أفكاراً مسبقة و«معلبة»، إن صح التعبير، بناءً عليها يطرحون آراءهم بغرض تصيد الأخطاء مع إهمال الإصلاح، والذي إن سألته عنه، ربما يضل طريقه ويرتدي عباءة النصح، حاملاً عقلية «الوصاية» على الغير، ليبدأ بمحاربته بغية هدم ما يحققه من نجاح، وهنا يتجلى عدم الفرق لديهم بين نقد الأداء ونقد الذات.
من تعودوا السير في طريق الانتقاد قد لا يدركون حجم التوتر الذي تصاب به العلاقات الشخصية والمهنية أيضاً نتيجة لأحكامهم، وقد يكون من الصعب عليهم تغيير طرق تفكيرهم، عبر الحد من الانتقاد، ومعاينة النتائج الإيجابية، وتحديد نقاط قوة الآخرين وتقديرها والاستفادة منها، وجلهم لا يدركون كيفية تقديم النقد بطرق بناءة تكون بديله لنظيرتها السلبية التي من شأنها أن تشعل «حروباً» شخصية، وتقضي على مساحات التفاهم.
مسار:
تقديم الثناء ثم النقد من شأنه زيادة مساحات التفاهم والقبول.