من المخيف أن نشاهد معركة صامتة أحد أطرافها يوجه طلقاته المميتة حتى يغرق ذلك العقل في وحل قذر تنمو في داخله أفكار هدامة تستدرج العقول حتى تبقيها في حضن الاحتلال الفكري بأساليب تجعل ذلك العقل الساذج يصدق تلك المسرحيات التي كتبت نصوصها بطريقة تستهدف فئات معينة من المجتمع وتوقعها في دائرة «ضحايا الغزو الفكري»! هذا النوع من الغزو قد يمحي أمماً ويسقط أمماً أخرى، لأنه يصل إلى الهدف بسهولة تامة، ويحقن ذلك العقل بثقافة مسمومة تهدف إلى طمس ما هو موجود واستبداله بالمحتوى الجديد الذي يخالف شريعتنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا، حتى يجعل الضحية تقع في المنطقة الدامسة، ويصبح المستهدف أعمى فكرياً.

أقوى الحروب ليست التي تبدأ برصاص وأسلحة، بل التي تبدأ بالعقول حتى تستنزف وتصبح إمعة يحركها أي ريح، تلك الحروب عاثت في نفوس البشر فساداً، وجهزت نعش العقول قبل مماتها، ووضعتها تحت حالة كتب على واجهتها «حالة حرجة» حتى تحقق مطالبها وأهدافها الخبيثة، ومن أبرز سيناريوهاتهم التي يعملون عليها حالياً هي الترويج للمِثلية، وتعريف العالم بهذه الظاهرة المشؤومة كفئة ثالثة مستقلة مطالبة بحقوق تلك الفئة، وجعل المجتمع يتقبل وجودها.. ويحاً لهؤلاء ينشرون أفكاراً هدامة تقتل مبادئ الفرد والمجتمع وبكل وقاحة يطالبون بحقوقهم!

ما زال الانفتاح الإعلامي يروج لقضايا المثلية سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر، ولا سيما من خلال صنع شخصيات سينمائية تتقن ديناميكية الحوار والتمثيل بجدارة حتى ترتدي رداء المثلية وتعرضه للجمهور وكأنه شيء طبيعي، حتى يعيش العقل في خلوة تملؤها فراغات كثيرة وعلامات تعجب متعددة تجعل العقل يعيش في حالة استنفار ميؤوس منها.

أصبحت الآن بعض الأفلام الكرتونية تروج للطفل عن تلك الظاهرة بطريقة تجعله يشعر أن هذا الأمر واقعي. غياب الرقابة الإعلامية قد يجعل عقول البعض تصاب بالارتجاج، حينها نقول سلام على الدنيا وما فيها، ولا سيما حينما تكون الفئة المستهدفة «الأطفال»، لأنهم يعلمون أن الطفل بطبيعته يميل إلى تقليد غيره، وخاصة إذا كانت الشخصية الكرتونية المفضلة لديه.

كبار العقول من الممكن أن يفرقوا بين الصالح والطالح من المحتوى الإعلامي المعروض، ولكن هل الطفل يفرق أيضاً؟! هنا الموضوع مختلف حتماً عند الأطفال، فالطفل تغشوه هالة البراءة والفضول نحو استكشاف كل ما هو معروض في عالم الكرتون. في الحقيقة تلك هي لعبة مدروسة حقاً وضعت أدواتها تحت مسمى «الدمى الإلكترونية القاتلة» التي من الممكن أن تهدم العقول وتنتشل جثتها وتصبح رماداً تالفاً.

ولكن هنا تأتي الطامة الكبرى، وهي أن دعاة هذا «الشذوذ» يروجون لتلك الظاهرة إعلامياً ويعتبرونه «حرية شخصية»! يا للهول يصنفون كل ما تخبئه أهواؤهم التالفة تحت مسمى الحرية الشخصية، ويحاً للحرية الشخصية إذا كانت كذلك! ولو كان للحرية الشخصية لسانٌ ناطق لنطقت باسم النجدة، وطلبت من العالم أن يحمي باقي العقول من الانحدار نحو الطريق المنحدرة!