كانت الحكايات المرتبطة بالأمثال الشعبية - ولم تزل- نافذة لعالم مثالي، يعبق بالقيم والعبر، ووعاء أصيلاً لمثل تتلمذت عليها أجيال متلاحقة، وحفظوها كما هي، دون جهد لتفسير أو بحث، لأخذ العبرة دون غفلة.
ولعل أحد تلك الحكايات الشعبية، التي روت قصة المثل الشعبي الشهير: وعلى نفسها جنت براقش، إذ يروى أن كلبة يقال لها «براقش»، كانت لأحد بيوت العرب في إحدى القرى الجبلية، وكانت تحرس المنازل من اللصوص وقطاع الطرق، فإذا جاء ناس غرباء إلى القرية، كانت «براقش» تنبح عليهم وتهاجمهم، حتى يفروا هاربين دون عودة، وذات يوم، هاجم القرية مجموعة من الأعداء، فما كان من «براقش» إلا أن بدأت بالنباح، لتنذر أهل القرية، حتى لاذوا بالفرار، وقاموا بالاختباء في إحدى المغارات القريبة، وقتها بدأ الأعداء بالبحث عن أهل القرية، ولكنهم لم يجدوا أحداً، وخرجوا خاليي الوفاض من القرية، وما إن شعر سكان القرية بالأمان، حتى عادوا فرحين إلى مساكنهم، وأما «براقش»، التي اعتادت توديع الغرباء عند خروجهم من القرية، بدأت تنبح، وبشدة، حين شاهدت الأعداء يخرجون من القرية، ولم تجد أي محاولات في ردعها عن النباح، تعاملت بفطرتها البحتة، وأوقعت سكان القرية في مأزق حقيقي، بعد أن أغار عليهم الأعداء مجدداً، وجعلوا عاليها سافلها.
وهنا، نقف على معلومة مهمة، مفادها أن هذا المثل، بات اليوم يضرب في غير محله، حيث بات يساق للإشارة إلى تحمل الشخص مسؤولية أخطائه، بينما المثل في الأساس يضرب على من يجر الضرر لأهله وقومه، رغم أنه انتدب لمنفعتهم، فالذي ينتظر منه أن يجلب الخير لأهله، فيجلب لهم الشر من حيث لا يدري، سواء بوعي منه أو بسوء تصرف، فهذا هو مَنْ في مقام «براقش»، التي كانت وظيفتها تنبيه قومها ساعة الخطر، لا أن ترد الأعداء وتقلبهم على قريتها.