سُئل الإمام ابن حنبل «أين نجد العافية؟»، فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها».
كم منا يتغافل اليوم عن أخطاء المقربين والأحبة، ويتجاوز عن الزلات، ليحافظ على العشرة، ويضمن استمرارية العلاقة؟ كم منا يتظاهر بحب ما لا يتقبله، ويراعي ظروف الآخر، ولا ينسى جمال الود والفضل بينه وبين من يحب؟
تقول إحدى الفتيات إنه بعد يوم شاق من العمل، تضع والدتها الطعام أمام والدها، وبجانبه خبز محمص، لكنه للأسف كان محروقاً، خافت الفتاة حينها، وظنت أن ردة فعل والدها ستكون كارثية وسيئة للغاية، فقالت في قرارة نفسها «أعان الله والدتي، لا أظن أن هذا الموقف سيمر مرور الكرام».
وبعد لحظات، جلست تراقب ردة فعل والدها، وكيفية تعامله مع هذا الموقف، وتفاجأت حين بدأ يدهن قطعة الخبز المحروق بالزبدة ويأكلها، فشعرت والدتها بالذنب، وبدأت تعتذر، لكن ردة فعل والدها كانت استثنائية، فقد رد بحب قائلاً: «لا تعتذري يا عزيزتي، أنا أحب الخبز محمصاً». سألت الفتاة والدها بعدها، هل حقاً تحب الخبز محروقاً يا والدي؟ فيردُ ناصحاً أن الحياة ليست مثالية، والخطأ وارد، وليس هناك شخص كامل ومعصوم عن الخطأ، لذا، علينا أن نتعلم أهمية التغافل والتسامح، ووضع الأعذار، وتقبل عيوب الآخرين، فهي الركيزة الأساسية في بناء علاقات ناجحة وقوية تستمر مدى الحياة.
التغافل وتجاوز الزلات مهم، وطرق اكتسابها هو إدراك أننا في الأخير بشر، ولدينا عيوب ونواقص، فالكمال لله وحده، وأخطاء الناس بلا شك، تصبح مقبولة، إن غيرنا نظرتنا وردة فعلنا تجاه تلك النواقص، وركزنا على الإيجابيات ومحاسن الناس، إذن، لا ضير في تقبل الخبز المحمص إلى درجة الاحتراق، بدلاً من جرح الخواطر وكسر القلوب.