«الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي»، جملة صاغها الفيلسوف العربي ابن خلدون، وقدمها ضمن مقدمته المشهورة، لتتحول لاحقاً إلى قاعدة ملهمة في علم الاجتماع، تقاس عليها طبيعة العلاقات الاجتماعية، ومن خلالها يؤكد ابن خلدون أن الإنسان لديه احتياجات عديدة في الحياة، ضرورية لبقائه، ولا يستطيع تلبيتها بمفرده، ولذلك فهو يحتاج دائماً إلى التعاون والجماعة، ما يسهم في إنتاج الحضارة.

التفكير في قاعدة ابن خلدون كفيل بأن يفتح الأعين على نظرية «الوعي بالعلاقات» للعالم إلياس بورتر (1914 – 1987م)، ويحثنا فيها على دراسة العلاقات الاجتماعية، وتأثيرها في الوعي والسلوك البشري.

هذه النظرية نفسية بامتياز، فمن خلالها ندرك مدى حاجتنا للشعور بالانتماء والمحبة والتقدير من محيطنا الاجتماعي، وتؤكد أن الوحدة أو العزلة دائماً ما تشعرنا بالقلق والعصبية والتوتر، وتدخلنا في نفق الملل، وتصيبنا بالحزن، وذلك لأن الأفراد يتصرفون بناءً على احتياجاتهم ورغباتهم الشخصية، التي تشكّل دوافعهم الأساسية، وتؤثر في سلوكياتهم.

ورغم وجود العديد من النظريات حول شخصية الإنسان، إلا أن هذه النظرية تعنى بالإنسان نفسه، فهي تهدف إلى توفير وسيلة فعالة لفهم شخصيته وفهم الآخرين، حتى تصبح العلاقات الشخصية بناءة، وتحقق الرضا الداخلي لكلا الطرفين.

حيث تعتمد على مبدأ أساسي، مفاده أن سلوك الفرد يتسق مع ما يحقق له الرضا والإشباع الداخلي في علاقاته الشخصية مع الآخرين، ومفاهيمه وقناعاته حول طريقة تعامله مع الآخرين من أجل تحقيق الرضا، وتبين لنا أن «نقاط الضعف ما هي إلا نقاط قوة مبالغ في استخدامها»، بمعنى أن السلوك غير البنّاء، ما هو إلا سلوك غير فعال، ناتج عن دافع إيجابي، لذا، فالفرد الذي يبالغ في نقطة ما كونه «واثق بنفسه»، قد يراه الآخرون بصيغة «المتغطرس»، كما تبين لنا أن رؤيتنا الشخصية للأمور تؤثر في انطباعاتنا، أي أن الإنسان يميل لاستخدام منظومة القيم المحركة للدوافع الخاصة، كأداة قياسية عند تقييم سلوك الآخرين.

مسار:

اختيار نقاط القوة المناسبة يجنبنا الدخول في خلافات مع الغير