جلست على صخور مرتفعة من شاطئ البحر لأسمع ذاك العالم بما حواه من لوحة ربانية، لحظات تشعرك بعالم آخر بعيداً عن ضجيج البشر لأحيا من جديد.

وأستلهم فكراً وأنسج مشاعر اهترأت من معارك الحياة، وأتنفس بعمق، أنظف عقلي وحواسي من كل شيء أنهكها لأمسح وأخط من جديد، أقترب من الأمواج لتغمرني وتجذب عني كل سلبيات عالقة، أتأمل الغيوم الداكنة وتلك الجبال الراسية، والطيور المحلقة التي تبدو سعيدة بأجواء الشتاء، تعيش اللحظات بعمقها لترتشف رحيق الحياة في رحابة واتساع السماء، أصوات ممزوجة ببعضها وكأنها وصفة دواء أو مساج لمشاعر وأحاسيس التهبت من عواصف البشر، وترهلت لتستعيد شيئاً في أوردتها ترويها من جفاف كاد يفقدها الحياة، أسامر البحر أتحدث معه ليغمرني بأفكار ملهمة لأبدأ من جديد وكأنه كتاب تتصفحه بالمد والجزر، ينمي فكرك فكل مد يعقبه جزر وكأنه يمدك بفكر جديد لمواكبة الحياة بتغيراتها واختلاف عقليات البشر فيها.

هكذا إقرأ صفحات وهدير البحر غذي عقلك ليكبر عن كل تفاهات الحياة ويتخلص من نفايات بشرية وبعضها لا يزال على الهوامش عالقاً يرتقب يوماً عاصفاً، لتصفية أيامك القادمة من كل قديم يبدو عبئاً مهلكاً، وتجرد من ذهنك كل ثقيل، إقرأ واكتب نهجاً جديداً للقادم فإنك تقدر ذاتك وتحميها من كل متسلل بلا هوية وقيم وبلا أعراف، عندما أغادر ذاك المكان أتذكره .

وكأني كنت في حلم يجعلني أنتقيه من بين كل الأمكنة للاستجمام ورفاهية الروح وشيئاً يخالج النفس، أمشي نحو الموج وكأنه يضمني يحميني يشعرني بأن الحياة لا يزال فيها الجمال الذي ينعكس على روحك، ليكسبها لوناً جديداً يضاهي كل المساحيق المقلدة التي تبهت وتزال بمنظفات لأنها مؤذية، جمال الكون لا يحتاج ريشة ولكن لحظات أنتقيها من قاموس الحياة لتصبح في أرشيف الذكريات، وأعيدها بكتابة رواية خاتمتها مفتوحة يكملها القادم من أيامك، بدايتها مراكب راسية على مرافئ وشواطئ قلبك.