أخبرتني سيدة مؤخراً عن إحدى الفتيات التي بررت أسباب عقوقها وابتعادها وعدم برها لوالدتها بخوفها الشديد من أن تتعلق بها، وبعد مرور السنوات تشاء الأقدار أن تفقدها وتفجع بها، وهي لا تودُّ أن تشعر بالحزن الشديد وسوداوية ومرارة الحياة البائسة بعد فراقها، ولكنها تقدر وتزور وتتواصل باستمرار مع جميع صديقاتها اللواتي هن خارج إطار الأسرة، أوَليس الحزن الأكبر هو أن تطرد من رحمة الخالق بسبب عقوقها.
الأشد إيلاماً أن بعض الأمهات أفنين حياتهن من أجل الأبناء، وضحّين بالكثير لإسعادهم في الأوقات التي كانوا بأمسّ الحاجة إليهن، فهل جزاء المعروف نكران الجميل؟
ألم تدرك تلك الفتاة وغيرها أن عقوق الوالدين هو من كبائر الذنوب التي تغلّق بسببها أبواب الرحمة والخير والتيسير والبركة في الحياة بأكملها.
للأسف البعض يلهث وراء رضا جميع الناس، ويبذل قصارى جهده ليكسب محبتهم ورضاهم، وينسى أو ربما يتناسى أن أهمية رضا الوالدين تفوق أضعاف رضا جميع البشر، فهم السبب الحقيقي في تفريج الهموم والكُربات، وهم الفلاح في الدنيا والآخرة. لا بد أن يدرك الأبناء أن بر الوالدين من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى خالقه، ومن خلاله يعبّر عن كل مشاعر الوفاء والامتنان لمن أنجبه ورباه وسهر الليالي الطوال من أجله ليصبح ما هو عليه اليوم، أما العقوق فهو من أكبر الكبائر وأقبحها مع من كان سبباً في وجوده.
فعلاً خاب وخسر الكثير من أدرك والديه ولم يدخل بهما الجنة، لا بد أن يتذكر الجميع أن الدنيا ستدور وبعض المشاهد بلا شك ستعاد، وكل ساقٍ سيسقى بما سقى، إما خيراً أو شراً، اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا، ولا تحرمنا فضل وثمرات برّهم ومحبتهم ورضاهم عنا في الدنيا والآخرة.