التسامح ضد التسامح!

ت + ت - الحجم الطبيعي

نمتلك قيماً نبيلة متوارثة من الآباء والأجداد، هي من صميم ديننا وتربيتنا، وعاداتنا وتقاليدنا، التسامح، وتحمل لنا الذاكرة الشفوية الكثير من القصص التي ساد فيها التسامح والعفو، وتقبّل الآخر ومساعدة الضعيف، ورغم وهجها وأثرها العميق الكبير، إلا أنه لا يمكن إطلاقها وترك العنان لها دون حواجز وضوابط وقيود، والسبب ببساطة متناهية، أن التسامح المفرط، قد يدمر قيمته، ومن ثم قد يدمر المجتمع الذي ينتشر فيه، بمعنى أن تسامحنا مع التطرف، سوف يؤدي للقضاء على التسامح نفسه.

ولعل في كلمة الفيلسوف الدكتور كارل ريموند دلالة، حيث يقول: «سيقودُ التسامح غير المشروط حتماً إلى اختفاء التسامح نفسه، ففي حال مدّدنا تسامحنا غير المحدود لیشمل حتى أولئك المتعصِّبین، وإن لم نكن مستعدين للدفاع عن مُجتمعنا المتسامح ضدّ مخالب المُتعصِّبین، فسنكون بذلك قد دّمرنا حتى المُتسامح وتسامحُه معهم، ولذلك، فعلينا أن نُطالبَ باِسمِ التسامح- الحقَّ، في عدم التساهُل مع المتعصِّبین، علينا أن نُطالب باِعتبارِ أيِّ حركةٍ تَعظُ بالتعصُّب، خارجةً عن القانون، وعلينا اِعتبارُ التحريضِ على التعصُّب والاضطهادِ جريمةً، تماماً مثلما نعتبرُ التحريضَ على القتل، أو على الاختطاف، أو على الدعوة إلى الرجوع للمُتاجرةِ بالعبيدِ جريمة».

إن لدينا في هذا العصر الكثير من الشواهد الماثلة للتسامح من بعض المجتمعات، وتقديمها لتسهيلات لبعض المتطرفين، ومنحهم مساحة للتحرك وإلقاء خطاباتهم، ثم شاهدنا كيف انقضوا عليها، إن التطرف والكراهية، لا يمكن التساهل معها بحجة التسامح، لأن هؤلاء ضد الإنسانية.

ولعل في «داعش» و«القاعدة» وغيرهما خير مثال، بل لعل ما نشاهده في عالم اليوم من حركات متطرفة، بغض النظر عن أيديولوجيتها، مثل النازية والفاشية، مثال واضح لا يقبل الشك.

نحن أمام قيمة عظيمة، لا نريد من أي حركة سياسية أو حتى اجتماعية، أن تزعم أنها تنادي وتدعو لنشر قيم التسامح.

 

Email