الخلط بين التراث والموروث

التراث والموروث.. كثيراً ما يتداخل المعنى بينهما لدى بعضنا، عندما يحاضر أو يتحدث ويناقش أو يكتب، إلى حد أن أحدنا يريد الحديث عن الموروث، لكنه يزحف في حديثه، من دون أن ينتبه، ليدخل في دائرة التراث. وهذه الإشكالية جرى تداولها حتى أصبحت في حكم المألوف، وجزءاً من ثقافة المجتمع. ومعلوم أن التراث والموروث لهما دور مهم ورئيس في تشكيل الهوية الوطنية للمجتمعات البشرية؛ فمن خلالهما نتعرف على أصولنا ومنابتنا وجذورنا، وعلى منظومة القيم والعادات والتقاليد التي نحتكم إليها. فما أوجه الاختلاف بين التراث والموروث؟

إن نطاق التراث أوسع بكثير من نطاق الموروث؛ فالتراث يشمل المجتمع والثقافة بأبعادها. فيما الموروث يركز بشكل أكبر على الجوانب الشخصية والعائلية.

ينتقل التراث بشكل غير مباشر عبر الأجيال، ومن خلال المجتمع والثقافة. بينما الموروث بشكل مباشر، ومحدد، عبر العائلة والجماعة، القبيلة والأمة. في عملية التغيير - وهي النقطة الأهم هنا - يتغير التراث بمرور الوقت، متأثراً بالعوامل الاجتماعية والثقافية. بينما يظل الموروث أكثر استقراراً وثباتاً.

هنالك أمثلة أخرى لضبط أو تأصيل مصطلحي التراث والموروث؛ فبالإمكان القول إن التراث هو: عادات وتقاليد ومعتقدات وفنون ولغة وآداب وتاريخ. بينما الموروث هو: القصص والحكايات العائلية، والحرف اليدوية، والممتلكات الشخصية أو الجماعية.

نخلص من هذا إلى أن التراث والموروث، مفهومان مترابطان، لكنهما غير متطابقين؛ ففي الوقت الذي يقومان فيه بدور مهم في تشكيل الهوية، كما أسلفنا، فهما يختلفان عن بعضهما بعضاً في النطاق، وطريقة الانتقال، والتغير. ومن أبسط الأمثلة التي يمكن تذكرها دائماً، ويمكن القياس عليها أيضاً، هي: دلة القهوة، وطقوس إعدادها وتقديمها للضيوف. هذه العملية موروث. القيم الإنسانية المطلقة كالحرية، والعدالة، والخير، والذود عن الأوطان. هذه تراث. هذه إطلالة بمثابة مفاتيح، قد تغري باحثاً متحمساً، فينطلق منها إلى أفق جديد أكثر ثراءً.

 

الأكثر مشاركة