في عالم الرعاية الصحية اليوم، أصبح المريض رهينة في صراع يدور بين شركات التأمين ومقدمي الرعاية الصحية. هذا الصراع الذي لا تراه الأعين بسهولة، يؤثر بشكل كبير في جودة وسرعة الرعاية التي يحصل عليها المريض. بينما ترتفع أقساط التأمين بشكل مستمر، تظل الضغوط المالية على مقدمي الرعاية متزايدة، ما يترك المريض في موقف صعب بين كلا الطرفين. والأهم من ذلك، أن الأنظمة التنظيمية لم تتدخل بعد بالشكل المطلوب، لفرض توازن عادل في هذا الصراع.

*جمع الاقتطاعات والزيادات السنوية*

تجمع شركات التأمين اقتطاعات شهرية أو سنوية من المرضى، وهي مبالغ تزداد عاماً بعد عام. رغم هذه الزيادات، يعاني المرضى من نفس التحديات، مثل تأخير الموافقات الطبية، ورفض بعض الإجراءات الضرورية. إذ تُبرر شركات التأمين الزيادات السنوية، بناءً على خسائرها، لكنها في الحقيقة تُغطي تلك الخسائر من خلال تحميل المرضى المزيد من التكاليف. في المقابل، يواجه مقدمو الرعاية الصحية، صعوبة في رفع أسعار خدماتهم الطبية، بالرغم من تضخم التكاليف التشغيلية.

*الخصومات والرفض واستردادات التدقيق*

إلى جانب زيادة الأقساط، تستمر شركات التأمين في فرض خصومات على مدفوعات مقدمي الرعاية الصحية، وهذا الخصم يقلل من التعويضات التي تتلقاها المستشفيات والأطباء، ما يدفعهم إلى تقديم خدمات أقل تكلفة أو تأخير بعض العلاجات. كما تستخدم شركات التأمين أيضاً سياسات رفض واسترداد التدقيق على فواتير المستشفيات، ما يؤدي إلى تقليص المدفوعات بشكل أكبر، وهذه الممارسات تزيد من الضغط المالي على مقدمي الرعاية الصحية، وتجعلهم أكثر حذراً في توفير بعض العلاجات المتقدمة.

*التضخم ومسؤولية التنقيح*

رغم زيادة تكاليف المعيشة وتضخم أسعار الأدوية والتكنولوجيا الطبية، لا يُعترف بالتضخم كمبرر لمقدمي الرعاية الصحية لرفع أسعارهم. هذا يعني أن المسؤولية تقع على مقدمي الرعاية الصحية، لتنقيح الأسعار، ومحاولة تغطية التكاليف بطرق غير مباشرة، الأمر الذي يؤثر في جودة الخدمات التي يحصل عليها المرضى، حيث يسعى مقدمو الرعاية إلى تحقيق التوازن بين الجودة والتكاليف المتزايدة.

*غياب التوجيهات التنظيمية*

وفي خضم هذا الصراع، تظل الجهات التنظيمية غائبة تقريباً عن وضع أي توجيهات واضحة، تعالج هذا الخلل بين شركات التأمين ومقدمي الرعاية الصحية، ولا توجد قوانين أو سياسات تحمي مقدمي الرعاية من الاستغلال المالي، أو تضمن أن الزيادات في الأقساط التأمينية تعود بفائدة واضحة على المريض. هذا الغياب التنظيمي، يجعل السوق غير متوازن، حيث تتمتع شركات التأمين بحرية رفع الأقساط، دون أي التزام بتحسين الرعاية المقدمة.

*النتيجة النهائية: المريض هو الضحية*

في هذا المشهد المتشابك، يظل المريض هو الطرف الذي يتحمل العبء الأكبر، رغم أنه يدفع المزيد لشركات التأمين سنوياً، إلا أنه لا يحصل على رعاية أفضل، بل قد يواجه تحديات متزايدة في الحصول على العلاج في الوقت المناسب، وفي الوقت نفسه، يعاني مقدمو الرعاية الصحية من ضغوط مالية، تجعل من الصعب عليهم توفير رعاية متقدمة وجيدة.

*الحل: تدخل تنظيمي شامل*

لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، دون تدخل حكومي وتنظيمي فاعل. يجب أن يكون هناك توازن بين مصالح شركات التأمين ومقدمي الرعاية الصحية، مع وضع مصلحة المريض في المقام الأول، وينبغي وضع سياسات واضحة تُلزم شركات التأمين بتقديم مزايا ملموسة، مقابل زيادة الأقساط، وتسمح لمقدمي الرعاية الصحية برفع أسعارهم، بما يتماشى مع التضخم والتكاليف المتزايدة.