من حقهم علينا.. كيف نرد الجميل؟

حين يضعف الجسد، تبقى الأرواح قوية بالذكريات، حيث تجد الجد أو الجدة يجلسان في ركن من أركان البيت، لا ينتظران الكثير، بل ابتسامة صادقة، أو سؤالاً عن الحال. فهل تمكّنا حقاً من ردّ الجميل؟

إحدى كبيرات السن أُصيبت بمرض مفاجئ، أُدخلت بسببه إلى المستشفى، وظلت عدة أيام في العناية المركزة، حيث لم يكن يُسمح بزيارة الكثير من الأهل والأصدقاء. كانت في كل زيارة تترقب وجود الأحبة، وتنتظر كلمة حانية، أو لحظة دفء من الأبناء. تسعد ببقاء أقرب الناس إلى جانبها، فهي لم تعتد الابتعاد عن الأهل والبقاء وحيدة، خاصة في أصعب الأوقات.

كانت ترفض دائماً الذهاب إلى المستشفى، وتفضّل تحمّل الألم على أن تبتعد عن أبنائها وأحفادها، فصوتهم كان مسكّناً لجراحها، ورفقتهم عزاء لها فيما كانت تصارعه من ألم بين الحين والآخر. «عام المجتمع» في الوقت الحالي هو دعوة للعودة إلى الداخل... إلى من ينتظروننا بصمت ومحبّة.

وحتماً في «عام المجتمع»، لا يمكن أن يكون هناك بناء بلا أساس صلب، وكبار السن هم أساس كل قيمة راسخة في هذا الوطن؛ فهم ذاكرة المجتمع وعماده. وردّ الجميل لكل ما قدّموه لنا من جهد ووقت وتضحيات، هو بلا شك مسؤولية الجميع، ويتجسّد في الزيارة المستمرة، والإنصات لهم بمحبة، وإشراكهم في الحوار الأسري الذي يسعدهم كثيراً، ودعمهم صحياً ونفسياً كلما ضاق بهم الحال.

في الواقع، في خضمّ الحياة الحديثة والمتسارعة، قد نغفل لوهلة عن احتياجاتهم الحقيقية: الكلمة الطيبة، والإنصات، والنظرة الحنونة، والمجالسة الصادقة. فهم ليسوا بحاجة إلى الهدايا بقدر حاجتهم إلى الشعور بأنهم ما زالوا جزءاً لا يتجزأ من النبض العائلي، وأنهم حاضرون في أعين من يحبّون.

لذلك، قبل أن يُغلق الزمن أبوابه دون وداع، فلنمنحهم ما يستحقونه من حبّ واهتمام صادق؛ فردُّ الجميل... من أعظم وأجمل ما يمكن أن نقدّمه لهم.