بعد أيام نستقبل رابع عيد والعالم يعيش زمن كورونا. في البداية تعامل العالم نهاية 2019 مع سلالة واحدة من الفيروس، واليوم مع مرور عام ونصف العام على ظهور الفيروس هناك 11 سلالة، تحورت عن الفيروس الأول، وتنتشر وتتكاثر وتتحور وتستفيد من التقصير البشري بإسقاط شروط المقاومة لمنع الانتشار أو الحد من سرعته.
اقتراب العيد مناسبة للتذكير بالمسؤولية المجتمعية والفردية في المواجهة، فمثلما العيد مناسبة دينية نحبها وننتظرها بشوق، فإن هناك أيضاً فريضة صحية، يجب أداؤها بالتوازي، باعتبارها أمانة وواجباً بحماية النفس والمجتمع، كما أمرنا الله.
فالجهود الرسمية في محاربة الفيروس، حققت ريادة عالمية، لكنها تحتاج إلى الوعي الفردي والمجتمعي، بأن حماية الآخر هي حماية للنفس، وأن الاستهتار يرتد على فاعله أولاً وفوراً، بمعنى أن توفير الوقاية ليس مسؤولية حكومية فقط، بل يبدأ أولاً من المسؤولية الفردية والأسرية، تماماً كما يحمي رب الأسرة أهل بيته من أي سوء أو خطر، والأولوية اليوم لمواجهة «كورونا» وسلالاته.
العيد فرحة ونعمة ومكافأة من الله، والصحة أيضاً أمانة ونعمة، بل أولى النعم، والمحافظة عليها لا تشكل بأي حال ضغطاً اجتماعياً لأداء ما تعودنا عليه، فالكل أصبح يدرك خطورة التجمعات واللقاءات المزدحمة، ولدينا من الإحصاءات سواء محلياً أو عالمياً ما أثبت أن تلك التجمعات ضاعفت أعداد الإصابات عدة مرات، وقدمت للفيروس أجمل هدية للتحور وتوسيع ساحة المواجهة.
أستحضر في هذه المناسبة ما قاله محمد بن راشد قبل يومين عن نجاح الإمارات بإنجازاتها الحضارية، وأن ذلك ليس سراً بقدر ما هو معادلة بالغة الوضوح وتحويل المعرفة إلى أفعال، والعلم إلى عمل، حتى أصبح النجاح ثقافة.
ما أحوجنا في هذه اللحظة للتمسك بهذه المعادلة، والحرص على تنفيذها، للحفاظ على المنجز والصحة معاً، فخلال عام ونصف العام من المواجهة مع الفيروس أصبحت لدينا المعرفة والعلم، بطرق الوقاية والحماية ودعم المجهود الوطني، سواء بالالتزام بالإجراءات الاحترازية التي نحفظها عن ظهر قلب، أو بالإقبال على التطعيم، تطبيقاً للعلم والمعرفة وتحويلهما إلى ممارسة، حتى تبقى ثقافة النجاح هي السائدة.
من هذه الثقافة ومن العلم والمعرفة، علينا أن نكون أكثر جرأة بالتخلص من الضغط الاجتماعي بأداء العادات المصاحبة للعيد، لأن لدينا اليوم المعرفة التامة بالمخاطر الصحية، فمن باب أولى ومن باب محبة الأقارب والأصدقاء والجيران ومعزتهم، وضماناً للسلامة الشخصية والعامة، أن نحتفل بالمناسبة ونحن حريصون على أن نكون جنوداً في المعركة الصحية، لا أن نكون وقوداً لها. وكل عام وأنتم بخير.