في كتاب «رؤيتي» يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «إن بعض القياديين والمديرين لا يريد ولا يحبذ وجود رجل ثان كفء ومؤهل في الدائرة التي يعمل فيها لأنه يخشى أن ينافسه ويأخذ مكانه.
نحن نخالف هؤلاء الرأي؛ فالقيادي لا يستطيع التواجد في كل الأماكن، ولا يستطيع القيام بكل الأعمال في الوقت نفسه. عليه أن يفوض جزءاً من صلاحياته إلى مرؤوسيه، وإلا فسينهمك بالجزئيات ويغرق في التفاصيل، ولن يجد الوقت الكافي للقيام بالعمل الأساسي الذي يجب عليه القيام به، وهو تطوير العمل وابتكار الحلول، إذا استمر هكذا فسوف يتحول إلى إنسان دائم الشكوى من قلة الوقت، لا لأنه مثقل بالعمل الخلاق والمجدي، بل لأنه يريد متابعة كل صغيرة وكبيرة، لذا يغرق في التفاصيل فتضيع عليه الصورة الكبيرة».
رأي اختصر فيه سموه حال بعض القياديين الذين أصبحوا بأسلوبهم العقيم في الإدارة معولاً لضرب الإبداع والابتكار في مؤسسات حكومية يعملون فيها، بل وأحالوا موظفين مبدعين إلى موظفين مثقلين بطاقات سلبية، يتجه الواحد منهم إلى عمله كل صباح متثاقلاً، يبدو وكأنه طفل يذهب مرغماً إلى روضته أو مدرسته، مثل هذا يقف مسؤولاً فشل في فهم موظفين يعملون معه في المؤسسة، ولم يتمكن من جعل بيئة العمل جاذبة، ولم يدرك أن نجاح العمل أساسه الرضا الوظيفي لهؤلاء ومدى ما يخلفه تقدير رؤسائهم لهم، فيصبحوا أكثر إنتاجية وإبداعاً وابتكاراً.
وراء كل موظف لا يرقى إنتاجه إلى المستوى المطلوب في العمل يقف مسؤول عنيف يرى في ممارسة العنف والشدة والقسوة على موظفي المؤسسة وزرع الخوف في نفسه هو الأسلوب الأمثل لجعل الجميع منضبطاً، بمقدار ارتجافه من سماع اسم المدير بمقدار ما يكون العمل ناجحاً ويصبح الموظف مثل الألف.
وراء كل موظف يؤدي مهامه كواجب يومي دون إبداع أو حب لما بين يديه فقط من أجل ما يتقاضاه آخر الشهر، يقف مسؤول هو كأداة هدم يتحكم في أعناق العباد وأرزاقهم، متناسياً أن للموظف الصغير في المؤسسة كما له، كلهم يعملون فيها ويساهمون في تطويرها والارتقاء بمهامها.
وراء كل موظف حزين يهمل في عمله، يقف مسؤول وصلت النرجسية عنده مداها، فلم يعد يرى في المنصب سوى أسلوب للتعالي عليهم والكرسي أداة لضرب نظام العمل في المؤسسة، جهل بالعمل المؤسسي الذي هو أساس النجاح.
أمثال هؤلاء المسؤولين في حاجة ملحة إلى أعاصير تقلعهم من جذورهم أو تعيدهم إلى جادة الصواب.