حين يكون الوطن أغلى ما يملكه المرء.. وحين يكون بذل الروح في سبيله أرخص ما يقدمه.. وحين ينذر الإنسان نفسه في أي موقع كان لخدمة وطنه ومن فيه.. وحين تسمو في نفسه معاني البذل والعطاء فيقدم بكل شجاعة وبطولة على ترجمة ما تربى عليه وتعلمه.. حين يجتمع كل ذلك في نفس واحدة.. لا شك فإن الحديث هنا يكون عن البطل ابن الإمارات جاسم عيسى البلوشي شهيد الواجب الذي ضرب أروع الأمثال في البذل وقدم روحه في سبيل إنقاذ الآخرين في موقف بطولي أبهر العالم أجمع وأسر نفوس الناس أجمع وليس فقط من كتبت لهم النجاة في حادثة الطائرة، ليبقى عطاؤه شاهداً ورمزاً ومثالاً يحتذى به في التضحية.
«جاسم الخير» وهو ما كان معروفاً به بين أصدقائه وزملائه لم يكن مجرد لقب بل اسم رادف عطاء جزيلاً في الخير ومد يد العون للآخرين أينما كانت الحاجة للغوث وأينما سمع أنين محتاج، هكذا كان جاسم على الرغم من سنوات عمره القليلة التي لم تتجاوز الـ 27، ليؤكد حقيقة أن العطاء لا يقاس بالأعمار فعاش رجلاً معطاء ورحل وهو في قمة العطاء.. عاش رجلاً ومات رجلاً.
جاسم البلوشي أقسم فأوفى، لبى نداء الوطن.. نداء الواجب مع زملائه من فرق الإسعاف والإنقاذ ومعهم ساهم في إنقاذ ركاب الطائرة الإماراتية في زمن قياسي دون أن يصاب أحد.. عمل تحدث العالم عنه وسيبقى في ذاكرة الأجيال طويلاً وسيخلده التاريخ في سجل يشرف من يأتي من بعدهم.
نموذج لا يقل عما قدمه أبناء الوطن ويقدمونه على مختلف الجبهات، يستحق جميعهم وهم فخر الوطن والأجيال أن توثق عطاءاتهم وما بذلوه فتكون نبراساً لغيرهم.. حكايات يجب أن ترويها الأمهات لأطفالهن فيشبون على حب العمل والتضحية وأن لا شيء فوق الوطن.. وقصص لا بد من أن تسمعها المعلمات في فصول الدرس للصغار ليحبوا هذه النماذج ويتعلقوا بها وعلى درب أصحابها يسيرون، حب الوطن ليس شعارات نرددها ولا كلمات نتغنى بها، بل هو ترجمة لتلك العبارات في أعمال وبطولات تخلد وتبقى.