مرت سنوات عدة، وأنا أتأمل حبر القلم جافاً في قاع المداد، وكلماتي سجينة في أعماق ذاكرتي، لطالما كانت الكتابة ملاذي.. العالم الذي أجد فيه نفسي وأعبّر من خلاله عن أفكاري وأحلام الوطن.
لسنوات طويلة كنت أعيش بين السطور أتنقل بين الكلمات، ومع ذلك جاء وقت تركت فيه القلم جانباً، وتوجهت نحو مهمة أخرى على امتداد مساحة الوطن لا تقل أهمية من خلال العمل مع زملائي في جمعية الصحفيين الإماراتية على تطوير مهنة الصحافة في وطننا الحبيب والارتقاء بمستوى المهنة، وبناء مجتمع صحفي قوي قادر على مواكبة التحولات الكبيرة في عالم الإعلام، ويمتلك الأدوات اللازمة للتعامل مع الثورة الرقمية.
هذا العمل أعطاني شعوراً بالرضا والمسؤولية تجاه زملائي، لكنه لم يكن كافياً لملء الفراغ الذي تركته الكتابة في حياتي، ومع كل الإنجازات التي حققناها، كانت هناك دائماً تلك النداءات الداخلية التي تدعوني للعودة إلى الكتابة، كانت الكلمات تنتظرني، تراودني في كل لحظة، وكانت الأفكار تتراكم في ذهني، تبحث عن منفذ للتعبير، كنت على يقين أن «البيان» بينة وأن حقها علينا واجب، وأن واجبها علينا كبير، فهي الملاذ الأول والأخير، وهي البيت الكبير، فرغم أمد الفراغ ظلت تسكن أعماق ولائي وتدق كل يوم أبواب ذاكرتي لتذكرني بأنني ابنة «البيان» وهي الأم.
لذا قررت العودة، ليس فقط لأنني أفتقد الكتابة، ولكن لأني أؤمن بأن قلمي لم يجف بعد، وأن هناك قصصاً لم تروَ بعد، وأفكاراً يجب أن تُشارك مع المجتمع، وذلك باب من أبواب برنا الواجب للأم.
اليوم.. بعد هذه الرحلة المليئة بالتجارب، أعود إلى الكتابة مجدداً، أعود لأجمع بين مسؤولياتي في مجلس إدارة جمعية الصحفيين الإماراتية، وواجبي باعتباري إعلامية تحمل قلماً وتخدم وطناً.
أدرك أن الكتابة ليست مجرد كلمات تنثر على الورق، بل هي أداة قوية للتغيير، ووسيلة للتواصل مع المجتمع ونقل هموم الناس وآمالهم، ورواية قصص الوطن والمواطنين والاحتفاء بإنجازات والمزيد.
في هذه العودة إلى «البيان» أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه قرائي، وفي الوقت نفسه أجد فرصة لمزج شغفي الأول بالكتابة مع مسؤوليتي تجاه زملائي الصحفيين وتجاه الوطن.
الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد هواية أو مهنة، إنها واجب وشغف.. أعلم أن الكثير قد تغير منذ أن ابتعدت عن الكتابة، وأن العالم من حولنا بات أكثر تعقيداً وسرعة، لكنني أؤمن بأن هناك دائماً قصصاً تستحق أن تُحكى، وأفكاراً جديرة بالمشاركة، ومن خلال قلمي سأظل وفية لهذه القيم، وسأواصل العمل على نقل أصوات الناس وأحلامهم والكتابة عن كل ما يجعل الحياة تستحق هناء العيش والكثير من التفاؤل.
أؤمن أن الصحافة الجيدة تحتاج إلى عمق، وإلى كلمات تحمل معنى وتواصلاً حقيقياً مع الناس، لهذا سأعمل جاهدة على تقديم محتوى يعكس نبض المجتمع، يتناول قضاياهم وأحلامهم، ويقدم رؤية جديدة وواعية، للعالم من حولنا.
إن عودتي إلى الكتابة ليست فقط عودة إلى حبي الأول، لكنها أيضاً تجسيد لرغبتي في الوفاء بواجبي تجاه الصحافة والوطن، سأواصل العمل جنباً إلى جنب مع زملائي في جمعية الصحفيين، بينما أسعى إلى تقديم محتوى جديد ومفيد لقراء «صحيفتي» يجمع بين روح الكلمة وقوة التأثير من خلال هذا الجمع بين مسؤولياتي المختلفة أطمح إلى تحقيق التوازن الذي يضمن تقديم أفضل ما لدي لوطني وزملائي وقرائي.
في «كل صباح» أشكر كل من تواصل معي الفترة الماضية وكان حريصاً على عودة الحبر إلى قلمي.. أشكر إدارة صحيفة «البيان» على دعوتهم الكريمة للعودة مجدداً إلى عالم الكتابة لتبقى الكتابة أجمل الأقدار.