ما يحدث في العالم الافتراضي بل وعلى أرض الواقع ممن يعبثون بالقيم والمبادئ أصبح لا يطاق، وينذر بأكثر مما يخشاه العقلاء ويحذرون من عواقبه الوخيمة، فلا رقابة على هذا العالم «الغثيث» المليء بكل شيء، ولا أخلاقيات تردع هذا السلوك المنافي، ولا استنكار لما يعج به من تطاول على القيم والثوابت وخدش للذوق العام، إذ لم يعد هناك ما يهم هذه الفئة «الضالة» من الشباب، خصوصاً الفتيات، غير الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأي صورة كانت، وتقديم كل شيء وأي شيء، ممارسات يومية تعصف بالثوابت وتضرب في العمق، عبر وسائل فتحت الآفاق أمام كل من يمتلك جهاز كاميرا الهاتف ومقومات الانزلاق إلى الهاوية، ليصل إلى مبتغاه ويحقق ما يصبو إليه، فكل شيء خارج السيطرة والرقابة والمنع بل وحتى الانتقاد، وكل منقود ومرفوض يُلغى بالتعود حينما لا يتصدى له المجتمع بمؤسساته وأفراده، فجمهور «اللايكات» لكل ما يقدمونه هم في الغالب من الصغار.
قطعاً لا تعليق هنا على ما تتلقاه أجهزتنا من هذا الكم من الممارسات وما يصلنا من فيديوهات أقل ما يمكن وصفها به أنها «سخيفة» و«مخلة» لا تراعي شيئاً، وهنا الرهان في رفضها أو قبولها، يكون بيد المتلقي إن كان بالغاً أو عاقلاً رفضها، أما الصغار فلا عزاء لهم.
أما وقد مررنا بهذا الأمر، فليس أقل من أن نقف عند المئات بل الآلاف من الحسابات التي يصر أصحابها على أن تحمل علم الدولة وتظهر معالم منها وفي ربوعها يتم التسجيل، بل وتتحدث باسمها، بل وتتجرأ بعض فتيات «السوشيال ميديا» ممن وفدن إلى البلاد على إطلاق ألقاب أكبر منهن على أنفسهن، فهذه دانة دبي وتلك لؤلؤتها وثالثة جوهرة دبي وغير ذلك، وبالبحث وراء هؤلاء الفتيات تتعمق المرارة في الحلق.
فتيات «الإعلانات» و«مشاهير السوشيال» أو«المؤثرين» يختلط الحابل، فلا محتوى لما نشاهده سوى جني الأرباح، والكل يصر أنه «الإعلامي أو الإعلامية» ويتصدر مشهد التغطيات الإعلامية، وإن كان جل ما يصنعه ترويج لماركات مقلدة أو كأنهن «قطط المطابخ» تجوب المطاعم.
أما «الشهادات الفخرية والدبلوماسية»، وكذلك ألقاب السفراء حتى أصبح لكل شيء سفير، وأصبح السفراء لا حصر لهم ولا عدد، فهؤلاء حدث عنهم ولا حرج، وقل فيهم ما شئت من الأحاديث، فعاليات ومؤتمرات تنظمها جهات خاصة وشركات مرخصة هدفها الترويج، وفيها توزع الشهادات والألقاب والجوائز، ومن أراد ذلك بمقابل مادي فلا بأس، والمال يأتي بكل شيء، وهذا الأمر يستحق الوقوف عندها ملياً.
ختاماً حري بالجهات التي تصرح لهؤلاء بمزاولة النشاط الإعلاني أن ترافقه بشروط تلزم من خلاله هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم ما شاؤوا من الأسماء والألقاب أن الحبل ليس متروكاً على الغارب، ووضع علم الدولة على صفحته شرف ومسؤولية والتزام يجب أن يكون قادراً على حمله، فالترخيص هو ليس صك «افعل ما تشاء»، نأمل ألا يبقى «الماء غالباً على الطحين» وأن يصحح مسار حاد عن الدرب؛ بل وأوشك على الانحراف.