«مريم» طفلة إماراتية جميلة يراها الجميع حشيمة رزينة نبيلة، أنيقة المخبر والمظهر، متمسكة بهويتها الوطنية شكلاً ومضموناً، مثل غيرها من البنات الصغيرات سمعت عن برنامج يطلقه أحد المواقع الصينية التي تعرض الملابس بأنواعها، أعلنت الشركة عن نفسها عبر تطبيقها ومنصات التواصل الاجتماعي أنها تحول أحلام الصغيرات إلى حقيقة، ودعت الأسر لمشاركة مواهب بناتهن، لتجعلهن نجماتها الصاعدات القادمات، ومن ثم يحصلن على فرصة الفوز ببطاقات هدايا بقيمة 200 دولار، والفائزة باللقب تكون الوجه الإعلامي لترويج منتجاتها.
أكثر من ذلك أعربت هذه الشركة عن فخرها بإسهامها في دعم المواهب الشابة، وأنها تتطلع إلى المزيد من الفرص لإلهام الأجيال القادمة.
البرنامج يصور في الدولة، ويعرض على قناة شركة الملابس على يوتيوب لمجموعة من البنات الصغيرات، من بينهن «مريم» الإماراتية، التي بدت - مع الأسف - بين بقية الصغيرات، وهن من دول عربية عدة، وكأنهن في مباراة أو منافسة حامية الوطيس في التنمر عليها من بقية المشاركات والإساءة إليها، والسخرية من اللهجة الإماراتية، واستهداف الهوية الوطنية لدولتنا.
في حلقة كاملة ظهرت الجميلة مريم والمشاركات يصفنها بالغشاشة بعد أن حصلت على الدرجة الكاملة في الرسم، ودخلت الأمهات للتعليق على لوحتها وتحليل الرسم والاعتراض على الدرجة التي حصلت عليها، ووصفنها بأنها ذات وجهين، وأنها كذابة، وطالت الإساءات كذلك والدة مريم، مع العلم أن مريم متفوقة دراسياً ولها أنشطة عدة، موهوبة ومبدعة، وحققت الدرجة الكاملة في العديد من المسابقات، لعل أهم مشاركاتها كانت في مسابقة «شاعر المليون» للأطفال، وقد أبهرت فيها أعضاء لجنة التحكيم والمشاهدين.
بدت هذه الحلقة وكأن الإساءة ممنهجة وموجهة، ربما لزيادة عدد المشاهدين والمتابعين، ولإظهار البرنامج الممول من الموقع الصيني وكأنه حقق نجاحاً لافتاً، من خلال أعداد المشاهدين والمتابعين، كانت مريم هي الضحية، وعلى حساب صحة ونفسية مريم، التي سقطت طريحة الفراش من جراء ما تعرضت له على الملأ، كان أكبر مما يتحمله قلبها البريء أو يستوعبه رأسها الصغير طبعاً، لم يبدُ الأمر وكأنه سوء فهم من الأطفال، أو شقاوة بنات، أو غيرة الصغار، أو تنمر غير مقصود، بل علاوة على ظهورهن وكأن هناك كماً من الحقد والكراهية في نفوسهن لهذه الصغيرة التي تمثل مجتمعنا، نتساءل: أين كان طاقم هذا البرنامج من أمام الكاميرات وخلفها ومن خلف الكواليس، والقائمون على مونتاج العمل وإخراجه بشكل يليق لا بالشركة، بل بالمكان الذي يصور فيه البرنامج، وهو دولة الإمارات.
السؤال المشروع: من يقف وراء ذلك؟ من يتحمل مسؤولية ما تعرضت له مريم من تنمر وإساءات؟ ونعلم كم تبذل مؤسسات التعليم من جهد للتصدي لهذا السلوك ومكافحته؛ لما له من آثار سلبية تصل إلى أمراض تصيب المتنمر عليه ومشاكل تؤثر فيه صغيراً، وتكبر مع سنوات عمره، والسؤال الأكبر مع احترامنا للحريات والدعوة إلى عدم المساس بها، ترى ماذا عن احترام قيم ومبادئ المجتمع وعدم المساس بالعادات والقيم التي لا تقبل أي مساس بها؟ من يعيد للمجتمع ومن فيه حقه؟