لا تتم طباعة الأعضاء بشكل فعلي، بل يتم إنماؤها باستخدام هياكل مطبوعة بالتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد لتحفيز نمو الخلايا بنمط معيّن وحقن المواد الضرورية في هذه الهياكل.

من المتوقع أن يخطو قطاع الرعاية الطبية في الشرق الأوسط سريعاً نحو المستقبل المنتظر خلال السنوات القليلة القادمة بفعل تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد.

ومن المتوقّع أيضاً أن يصبح القطاع الناشئ والمجهّز بتقنياتٍ وتطبيقات سريعة التطوّر ومواد مطبوعة جاهزة وسيلة في غاية الأهمية لمكافحة الأمراض غير المعدية التي تجتاح المنطقة، مثل الفشل الكلوي وداء السكري.

يحذر الدكتور علاء علوان، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، قائلاً: على الرغم من الموارد الضخمة التي يحظى بها العالم العربي والشرق الأوسط، ككل، فسيشهدان الملايين من حالات الوفاة المبكّرة في السنوات المقبلة إن لم يتم اتخاذ إجراءات جديّة لتوسيع نطاق الجهود المبذولة للحد من الإصابة بالأمراض غير المعدية وتحسين جودة خدمات الرعاية المقدّمة في هذا المجال.

يقول سيف العليلي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، إن وضع تصوّرات لحلول الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية يتصدر قائمة أولويات المنطقة.

ويضيف: «تُستخدم هذه التكنولوجيا حالياً في إنتاج الأغراض كبيرة الحجم والمعقدة مثل محركات الطائرات والأثاث. وتتطلب هذه الأغراض المعقدة مواصفات دقيقة والكثير من التخصيص بحسب الاحتياجات. ولذلك، فمن المنطقي استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الطب وطباعة قوالب العظام والمفاصل والأسنان المخصصة.».

ويقول راغو مانداغولاتور، نائب الرئيس الأول ورئيس شعبة البحوث في المركز المالي الكويتي، من المرجح أن يعود تطور معرفة دبي بالطباعة ثلاثية الأبعاد بالنفع على الشرق الأوسط ككل. ويضيف: «إن تطوير هذه المعرفة في المنطقة سيكون له عظيم الأثر على خدمات الرعاية الصحية ميسورة التكلفة. وهناك العديد من التطبيقات في مجالات التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية والتي قد تتطلب أدواتٍ مصنعة خصيصاً بناءً على التطبيق.».

وهناك العديد من التقنيات والطرائق الخاصة ضمن أدوات تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد والتي من شأنها أن تلبي احتياجات المنطقة من الرعاية الصحية. ووفقاً للخبراء، يتم حالياً استخدام هذه التكنولوجيا بشكل أساسي للمساعدة في العمليات الجراحية. ويقول ألكسندر بابانتونيو، المدير العام لشركة دي تو إم سولوشنز، لحلول الطباعة ثلاثية الأبعاد والكائنة في دبي، إن أكثر تطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد شيوعاً هي نماذج التخطيط الجراحي الصحيحة تشريحياً.

ويمكن إنشاء هذه النماذج من التقاط البيانات ثلاثية الأبعاد بحيث يتسنى للفرق الجراحية تكوين صورة بصرية مكبّرة لمنطقة معينة يركزون عليها وبالتالي تمكينهم من تخطيط جميع تفاصيل الجراحة بدقة متناهية حتى قبل أن تطأ قدم المريض غرفة العمليات. وهذا سيؤدي إلى جعل الجراحين على معرفة مسبقة بأي مشاكل محتملة حتى يتمكنوا من تفادي أية تعقيدات أثناء العملية الجراحية.

ويوضح بابانتونيو أن الطباعة ثلاثية الأبعاد بدأت تشق طريقها إلى قطاع الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، كما هو الحال في بقية أنحاء العالم. على صعيد ما يطلق عليه بابانتونيو «المجال العملي»، بدأ الأطباء في المنطقة بالفعل يستخدمون التكنولوجيا لإنتاج أدوات وظيفية ونماذج للأعضاء المراد زرعها وأدلة ونماذج جراحية؛ أما في «المجال التجريبي،»، فقد بدأ الأطباء مؤخراً يستخدمون تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لمحاكاة الهياكل الحيوية أو لإجراء تجارب على أنواع معينة من إنماء الأنسجة.

ويقول بابانتونيو: «يتمتع المنهج العملي بفوائد عديدة، منها خفض الوقت اللازم لتعافي المرضى من خلال اكتساب فهم أفضل لمتطلبات العمليات الجراحية المعقدة قبل إجرائها، بالإضافة إلى إتاحة وسيلة أفضل لتسهيل التواصل مع المريض من خلال تقديم عرض بصري لشرح كيفية إجراء جراحة معينة. وبوجه عام، هذا يعني أن المنطقة ستشهد زيادة في نسب رضا المرضى عن القطاع.».

أما في ما يتعلق بالمجال التجريبي، فيقول بابانتونيو إن الطباعة الفعلية للأعضاء ما زالت في مرحلة ناشئة وقيد التطوير.

ويضيف: «لا تتم طباعة الأعضاء بشكل فعلي، بل يتم إنماؤها باستخدام هياكل مطبوعة بالتكنولوجيا ثلاثية الأبعاد لتحفيز نمو الخلايا بنمط معيّن وحقن المواد الضرورية في هذه الهياكل من أجل تغذية ودعم نمو الخلايا.».

كما يقول إنه لا توجد حالياً أية حواجز أمام دولة الإمارات للبدء بإجراء التجارب في هذا المجال، ولكن يجب وضع الإطار التنظيمي لكي تتمكن معاهد البحوث من البدء بإجراء بحوثها.

يقول أنتوني أتالا، الخبير العالمي في مجال الأعضاء المطبوعة حيوياً، إن «الطب التجديدي بات حقيقةً سريرية ولم يعد مجرد خيال علمي.».

ويقول أتالا، الذي يشغل منصب مدير معهد ويك فوريست للطب التجديدي في ولاية كارولاينا الشمالية بالولايات المتحدة، إن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية تعتبر الطباعة الحيوية هي «التطور القادم في العلاجات الطبية». وينوّه إلى أنه تمت بالفعل زراعة عظام وغضاريف وجلد وقرنيات وأوعية الدموية وأجزاء من المسالك البولية لمرضى في الولايات المتحدة.

ويضيف أتالا: «لهذا المجال أهمية بالغة نظراً لما يتمتع به من إمكانات لشفاء بعض الأمراض وليس مجرد علاجها. والهدف النهائي من هذا المجال هو المساعدة علىحل مشكلة النقص في الأعضاء المتبرع بها من أجل زرعها.».

إحدى الطرق المتبعة حالياً في الطب التجديدي هي «تخلّق الأعضاء»، وهي إجراء يعمل على توظيف عدة استراتيجيات لتعزيز عملية التجديد عوضاً عن الاعتماد على الخلايا وحدها.

ويوضح أتالا أن الطباعة الحيوية تجمع بين طباعة الخلايا الحية والمواد المتوافقة حيوياً لتكوين هياكل ثلاثية الأبعاد كي تتم زراعتها في الجسم. والهدف من هذا هو توسيع نطاق العمليات التي استخدمت لإنتاج الأوعية الدموية والمثانة، التي كانت تُصنع في ما مضى يدوياً فرادى لتتم زراعتها لدى المرضى. ومن المتوقع أن تدوم هذه الأنسجة والأعضاء المصممة طيلة فترة حياة المريض. فقد تمت متابعة المرضى الذين حصلوا على هذه الهياكل المصممة لمدة سبع سنوات وأظهروا نتائج طيبة.

ويتوقع بابانتونيو أن يكون للطباعة ثلاثية الأبعاد بالغ الأثر على قضيتين هامتين في مجال الصحة في دول مجلس التعاون الخليجي، وهُما الجراحة الترميمية والوقاية من داء السكري.

فيقول: «إنها وسيلة رائعة لإجراء الجراحات الترميمية؛ فإذا ما أخذنا على سبيل المثال شخصاً أصيب بإصابات خطيرة في حادث سيارة، بات الآن ممكنًا أن تتم إعادة إنشاء خصائص الهيكل العظمي لهذا المريض لإعادة بناء مظهره السابق واستعادته لجودة حياته.».

ويضيف: «من الممكن أن تؤدي الطباعة ثلاثية الأبعاد في نهاية المطاف إلى طفرات في علاج داء السكري، أو في كيفية إعطاء الأنسولين إلى الأشخاص الذين يعانون هذا الداء. وأنا أؤمن بأن الطباعة ثلاثية الأبعاد ستؤثر أولاً على الطريقة التي يُحقن بها العلاج (الأنسولين) من خلال تقديم أجهزة مخصصة سيروق مظهرها أكثر للمرضى وستجعل تعايشهم مع الداء أيسر.

وفي المستقبل، عندما يطور الباحثون التكنولوجيا الضرورية لإنماء أعضاء صناعية، مثل البنكرياس، سنتمكن من رؤية هذه الأعضاء مزروعة في أجسام المرضى.».

* متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا