من المشاهد التي لا أستطيع نسيانها، منظر ذلك الرجل المجنون الذي تولّى ظلماً وجهلاً حقيبة وزارة الإعلام المصرية، وهو يخطب في جموع الإخوان المسرورة والمسعورة في آنٍ واحدٍ، فيقول لهم ويغنّي معهم: بأنّ حلم (الولايات العربية المتحدة) سيتحقق على يد هذا الرجل، ويشير إلى »مرسي«، ومرسي يهز رأسه بالموافقة! ثم يقول: لن تكون عاصمتنا »مكة«، ولا »المدينة«، ولا »القاهرة«، ولكن ستكون عاصمتنا القدس! ثم يهتف ويحمّس المجانين من حوله: »على القدس رايحين، شهداء بالملايين«، وهم يكبّرون ويقولون أيضاً بهتافاتٍ مضحكة: »بكره مرسي يحرر غزة«، كنتُ أشاهد كلّ ذلك وأنا في عجبٍ من أمرهم، وأكتب ما يقولونه وأحلّله، فوجدتُ نفسي أمام جماعةٍ بين أمرين لا ثالث لهما: إما أنّ هذه الجماعة تحتاج إلى مصحّةٍ عقليةٍ ليعالجوا فيها، أو إلى سجنٍ يُؤويهم ليسلم من شرورهم ومن متاجرتهم بالقضية الفلسطينية، هؤلاء الشباب قليلو الخبرة المغرّر بهم من أجل أوهام جماعةٍ جاهلةٍ بالشريعة والسياسة الدولية والاقتصاد العالمي.
كان مباشرة بعد فوز »مرسي« برئاسة الجمهورية »المصرية« العربية، تلك الدولة التي هي ملاذ العرب وأمنهم وعزّتهم، فإذا سقطت في أيدي الإرهابيين فلمن يلجؤون، ومن يقود الأمة العربية بعدها؟ لأنّ جماعة الإخوان ليس لهم وطنٌ ينتمون إليه، بل لا ينتمون إلا إلى جماعتهم المشؤومة ومرشدهم البيطري الذي يوالونه وينفذون أوامره حرفياً، من غير جدالٍ ولا تأخيرٍ حتى ولو هلكوا جميعاً من جرّائها، لأنّهم تربوا على الطاعة العمياء طيلة حياتهم البائسة منذ زمن مرشدهم الأول البنّا، وهذا أمرٌ لو تدبرناه لوجدناه من مصائب هذه الجماعة التي تخالف العقل والنقل معاً.
منذ زمن الملكية، والإخوان يجدون في قضية فلسطين سلاحاً فتاكاً في أيديهم، ينقضون به على الملوك والحكام، ويدغدغون به مشاعر الشباب المسلم المتدين الذي يغضب لصرخة أي فلسطينية مغتصبة أرضها، فيدخلونهم بالأناشيد والخطابات والحفلات والمسرحيات في جوٍّ القتال والمعارك وهم لا يزالون في بيوتهم، كما فعل هذا المجنون الذي ذكرته لكم في أول المقال، وبهذا استطاعوا أن يجعلوا للشباب قضية يدافعون عنها لتحفيزهم وتطويعهم من أجل مصلحتهم، وفي نفس الوقت صنعوا من قضية أهلنا في فلسطين أكبر فخٍّ للمتبرعين في مصر وفي كل مكان، فقاموا بتأسيس الجمعيات الخيرية من أجل دعم فلسطين وغزة، ولكنّ الأموال تذهب مباشرة إلى حسابات الجماعة التي تقوم بإعادة تدويرها وغسلها لصالحهم، وما يذهب إلى الفلسطينيين لا يتجاوز المنتمين لجماعتهم هناك، وهذه حقيقة يعرفها كل من يعمل في العمل الخيري.
نحن أيها الأعزاء، وكل مسلم على وجهه الأرض، نغضب ونبكي لصرخات أهلنا في فلسطين وآهاتهم في »غزّة«، ونحن لا نستطيع أن نردّ عنهم أعداء الإنسانية والمسلمين والعرب من الصهاينة وأذنابهم، ولكننا وإن عجزنا عن دحر أعدائهم، فإننا نستطيع أن نقدم لهم الدعاء والدعم المادي المتواصل، والدعم المعنوي بالحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني من خلال الإعلام وفضاء التواصل الاجتماعي، وهذا هو الواجب علينا نحن الشعوب العربية، أما الحكومات فإنها تقدم الدعم المباشر لهم، وتوصل لهم تبرعاتنا، كما تفعل جمعية الهلال الأحمر الإماراتية، جزاهم الله خيراً. ولكنّ جماعة الإخوان وجيشهم الإلكتروني ومن يساعدهم من قنواتٍ من مثل »الجزيرة«، فإنّ لديهم خططاً أخرى وأهدافاً خبيثة يريدون تحقيقها من محنة آلام أطفال »غزة« والمساكين الصائمين هناك.. وللمقال بقية.