لم يجُل في خلَدِ الدكتور معجب الزهراني وهو يحضّر لندوته عن (الفنون والشباب.. دعوة للتعايش) على هامش أكبر معرِضٍ للكتاب في الشرق الأوسط معرِضِ الرياض الدولي، أنها ستكون دعوةً للمنازعات والفتن الكلامية في المقهى العالمي (تويتر) بين الفُرقاء المؤيدين للمحتسبين، أو الكارهين لهم الظانين بهم ظنّ السوء، ولكنّ الأمر هكذا يبدأ صغيراً وينتهي كبيراً عند الصغار الجهّال، ويبدأ كبيراً وينتهي صغيراً عن أهل الحكمة والحجى (العقل)٫ ويبقى بيتُ أبي محسّد المتنبي شاهداً وحاضراً في كل زمانٍ :

 

وتعظمُ في عينِ الصغير صغارها

                        وتصغرُ في عينِ العظيم العظائمُ

أقول دائماً وأردد عندما أرى هذه السخافات والترّهات: واحزناه على فوات الأعمار في مناقشاتٍ لا قيمةَ لها ولا نفع منها يُرتجى، في وقتٍ وصل العالم المتقدم فيه إلى الفضاء وملؤوا الدنيا بمخترعاتهم وأفكارهم وقواعدهم العلمية التي تحرّك اليوم العالم كله، وهو كما قلتُ باكياً على أمتي مادحاً للذين أفنوا حياتهم في خدمة البشرية من العلماء:

 

بلادُ رجالٍ لم تفتهمْ حضارةٌ

                           صقورٍ تَغذّى بالمعالي فراخُها

لكم ملؤوا الدنيا بكل عجيبةٍ

                            ولي أمّةٌ لم يبقَ إلا صراخُها

نعم لم يبق إلا صراخها وهذه المنازعات التي لا خير فيها يؤججها أقوامٌ لا همّ لهم إلا القيل والقال وليتهم اهتموا بالترويج لمعرض للكتاب ولمعرضه الكبير في الرياض، أو ناقشوا الكتب الجديدة العربية المطبوعة والمترجمة التي طُرحت في المعرِض لأول مرّةٍ، أو ليتهم صمتوا وتركوا هذه المواضيع التافهة تذهب أدراج الرياح ولا يثيرون الناس على أهل الدين ولا على أهل الفكر الذين ينظرون إلى العلم بمنظور آخر غير نظرة أهل العلم الشرعي، وكلٌّ له حرفته التي يهتمّ بها، ولكن لا يجوز بحالِ أن تتصارع العقول بهذا الشكل المزري على أنقاضِ أمةٍ تحاول أن تفيق من سكراتِ المصائب التي تسقط عليها من هُنا وهناك فمرّة القاعدة ومرةً داعش وبينهما الربيع المشؤوم وسقوط الدول في أيدي الأعداء وتغلغل دولة الحقد والغل بين الفقراء فتؤسس بهم جيوشاً لتفاوض بها القوى الكبرى وتساومهم كما نراه بأعيننا في الشام واليمن ولبنان والعراق ولا ندري ما تخبئ لنا من المفاجئات المحزنة.

يقول أحد المغرّدين عن حادثة انتقاد أحد المحتسبين للدكتور الزهراني: «في معرض الكتاب أوقف جماعة من المحتسبين ندوةً حول التعايش، حولوها إلى «دعايش» لا يقبل الحوار أو التعايش»، وردي على هذا المغرّد بأنّ الأمر لا يصحّ أن يُقاس بهذا الشكل إما أن توافقني الرأي أو أنت من داعش!

هذا من التعصّب البغيض بغير مبرر، بل المغرّد بتغريدته هذه حوّل الأمر إلى دعايش لا يقبل الحوار كما قال، لأنّ الزهراني أكمل ندوته حتى بدأ النقاش كما جاء في الخبر، وقد أحسن رئيس الندوة بإنهاء النقاش سريعاً ودعا الناس للصلاة، ولكنّ الأمر لم ينته في تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد ألفوا القصص على المحتسبين (المطاوعة) حتى قال أحد المغردين مشيراً إلى صلاة الناس جماعة بعد الندوة: «الصلاة على روح التعايش» وهذا من المبالغة وتضخيم الأمور وبث روح الفتنة بين الناس، كذلك من يؤيّد المحتسبين قاموا بتأليف قصص أخرى على المحاضر وأصحابه، ومن يتدبر من العقلاء هذه الأمور سيعلم أنّها من أكبر الآفات التي لا يمكن أن تتقدم بها الدول العربية!

أما عن ندوة الدكتور معجب الزهراني وحديثه عن جريمة تدمير آثار الآشوريين من قبل الإرهابيين (داعش) ومن ناصرهم، وعن جواز ذلك وعدمه، وهل أخطأ الزهراني أم أصاب، فسوف أناقشه معكم غداً إن شاء الله لننتقل من الحديث العام إلى الحديث العلمي الذي يعجبني مناقشته معكم أيها الأعزاء.