الحوثيّون قصتهم غريبة في التاريخ العربيِّ الحديث فقد نبتوا في أرضٍ مثخنةٍ بالجراح على حين غفلةٍ من جميع المراقبين الدوليين إلا من دولةٍ مارقةٍ واحدةٍ احتضنتهم وربّتهم على الولاء لها ومنابذة إخوتهم العرب كلهم، فلما شربوا من هذا الحقد وأكلوا زمناً طويلاً واستفادوا من تجارب تاريخية قديمة وحديثة ففعلوا كما فعل أسلافهم من الباطنية ابتداء من الإسماعيليين في اليمن عن طريق داعيتهم ابن حوشب الكوفي الملقّب بمنصور اليمن في القرن الثالث الهجري ثم داعيتهم في القيروان بتونس أبوعبدالله الشيعي وقد نجحوا باستخدام (الدروشة) سبيلاً إلى المُلْك حتى أسسوا الدولة الفاطمية التي أكلت ثلاثة قرون من عُمُر الإسلام وكانوا سبباً لكثيرٍ من مصائب المسلمين في عهدهم ومن بعدهم.

ثم جاء من بعدهم فرِقٌ كثيرةٌ وصلوا بـ (الدروشة) إلى مآربهم كما فعل الصفويون الصوفيون الأحناف الذين نشأوا في منطقة أردبيل من مدن أذريبجان في القرن الثالث عشر الميلادي ثم انقلبوا بعد ذلك إلى حزبٍ مسلّح ثم تشيّعوا لينابذوا الدولة العثمانية فكانوا وبالاً على الإسلام والمسلمين بعد امتلاكهم لبلاد فارس فتشيّعت طِهران وشيراز ومنها كبار علماء الشافعية وأصفهان ومنها كبار المحدّثين العلماء، وغيرها من الأقاليم السنية ولكنّ الصفويين المجرمين أجبروا أهل السنة في إيران بالنار والحديد حتى غيّروا مذهبهم ومن أبى فإنهم يقتلونه أشد قِتلة كما هو مذكور في كتب التاريخ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن الذين وصلوا بنفس الطريقة (الدروشيّة) في عصرنا: الصفويون الجدُد في إيران المعممون الذين منذ انقلابهم المشؤوم على الشاه محمد رضا بهلوي في سنة 1979 حتى اليوم والعالم بأسره يعاني منهم أنواع العذاب وقد ملأوا الدنيا مكراً وفِتَناً خاصةً في بلاد العروبة فهم يمثّلون البلاء العظيم في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والبحرين وأوشكوا أن يكونوه في مصر عن طريق حزبهم الإخواني فيها لولا أنّ الله سلّم أرض الكنانة بتدخّل الجيش ومساعدة كبرى من الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، وسيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله -.

هذه الطريقة العجيبة في تجميع المحبّين للدين و(الدروشة) هي نفسها التي استخدمها المتطرف الحوثي بدر الدين وقد أنشأ عليها أبناءه وتلاميذه حتى تمكّنوا عن طريق دعوتهم إلى إحياء المذهب الزيدي من بسط نفوذهم والدخول في حروبٍ مع الجيش اليمني. ولا أظن الرئيس اليمني المخلوع (عفاش) إلا له يد في تكوينهم لأنه سمح بمدارسهم ولم يعترض طريقهم حتى تمكنوا ثم أظهر لليمنيين أنه سيحارب المتطرفين في اليمن مثل الحوثيين والقاعدة وهو الذي أوجدهم ليكونوا ورقةً رابحةً يستخدمها للضغط في أيّ وقتٍ يحتاج فيه إلى عونٍ، وقد نجح مراراً واستلم أموالاً طائلة بحجة مساندة الجيش لقتال المتطرفين وفي حقيقة الأمر أن (عفاش) هو كبيرهم الذي علّمهم السحر والدليل ما نشاهده اليوم من التعاون الكامل بين الجيش الجمهوري بقيادة (عفاش) والدراويش الحوثيين بقيادة عبدالملك بن بدرالدين الحوثي .. للمقال بقية.