منذ استيلاء الحوثيين على (صنعاء) في 21 سبتمبر عام 2014، والأحداث تتسارع بشكلٍ دراميٍّ غريبٍ في اليمن، وكأنّ الأمر مخطط له منذ سنوات، فلا يمكنني أن أصدّق أو يصدّق به أيُّ عاقل، أن تستطيع جماعة إرهابية هُزمت مرات كثيرة من الجيش اليمني، وفي مدة وجيزة، أن تستولي على العاصمة اليمنية، والجيشُ والحرس الجمهوري ينظر إليها نظر المتفرّج، ولا يحرّك ساكناً، إلا إذا كانت هناك خيانة عظمى قام بها أهل الحل والعقد، كمثل (عفاش)، فسهّل دخول الحوثي من غير مقاومة تذكر، حتى فوجئ الجميع بهذه المصيبة في كل دول العالم.
إنها مطامع إيران، أيها الأعزاء، في الاستيلاء على (باب المندب) الاستراتيجي، الذي تتحكم فيه اليمن، لأنها تريد أن تخنق الغرب ما بين مضيق هرمز ومضيق باب المندب، لتتحكم فيه بشروطها وطلباتها، وإذا لم تنجح الخطة، فسوف تنثر في الخليج العربي والبحر الأحمر ألغامها البحرية، كما فعلت سابقاً، وستفعل ذلك إذا لم تجد رادعاً حازماً، من مثل عاصفة الحزم (السلمانية)، ولهذا، قامت هذه الدولة المارقة بمساعدة بدر الدين الحوثي وأبنائه في إنشاء جماعة الحوثيين الإرهابيين، وصرفت عليهم المليارات لتدريبهم وتسليحهم، ودفعت رشاوى كبرى لكبار المسؤولين، ولا أحاشي منهم أحداً، وكبيرهم الرئيس اليمني المخلوع، الذي مهّد الطريق أمام الحوثي لكي تنتشر تعاليمه وتتسع شعبيته في الوسط الزيدي الهادوي، الذي لا علاقة له بالمذهب الاثني عشري، وبهؤلاء الشباب الجهّال المغرر بهم، وباسم خروج (المهدي)، استطاع أن يكّون جيشاً من المجانين.
لم تتوقف إيران عن خلط أوراق اليمن بإيجاد مليشيات الحوثيين، بل ساعدت أيضاً القاعدة للدخول في الساحة اليمنية، ولتكون ذريعةً أخرى للحرب الأهلية والفساد فيه، فقد جاء في نشرة مؤسسة (ستراتفور) الخاصة للاستخبارات العالمية: إن سوريا حليفة إيران، تسهّل عبور الجهاديين إلى اليمن، وكما تقوم إيران نفسها بدعم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي مقره في اليمن. قلتُ: ماذا تريد إيران من دعم القاعدة، وهم متطرفون سنة، وتدعم الحوثيين، وهم متطرفون شيعة، في نفس الوقت، في بلد واحد، والجواب واضح لكل من له لبٌّ(عقلٌ): هي تريد باب المندب بأي ثمنٍ كان للضغط على العالم كله، ثم إثارة القلاقل الكبرى على الحدود السعودية، ولهذا، يُعد نصر التحالف العربي الخميس الماضي فيه، وإرجاعه للشرعية، نصر عظيم، ومصيبة كبرى للأعداء.
هذا، ويفصل مضيق باب المندب بين القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وهو ممر مائي ضيق وحساس، ورابط استراتيجي بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. ويقع المضيق بين اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويربط بين البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. ومعظم الصادرات من الخليج العربي التي تعبر قناة السويس، وتلك التي تُضخ عبر خط أنابيب النفط الممتد من السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، تمر أيضاً عبر باب المندب.
ويقال إنّ 3.8 ملايين برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة، كانت تمر عبر هذا المضيق يومياً في عام 2013، متجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، مرتفعة من 2.9 مليون برميل يومياً في عام 2009، ثم تناقص النفط المنقول عبر هذا المضيق، بحدود الثلث تقريباً، بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، وتراجع شحنات النفط الخام المتجهة شمالاً إلى أوروبا في تلك الفترة.
أما عن تسميته هذا مضيق (باب المندب) الاستراتيجي بهذا الاسم، فلم أجد له أصلاً، اللهم إلا أنه يسمى أيضاً بـ (باب الدموع)، ولهذا قد يكون اشتقاقه من ندب الميت، وهو البكاء عليه، وبهذا يمكن أن يكون قد سمّي بهذا الاسم لكثرة الهالكين فيه في تلك الأيام، بسبب خطورته، وقد قالوا قصصاً أخرى خيالية مضحكة، ليس هنا وقت سردها، ولكنّ للفرس الإيرانيين قصة تاريخية هنا، سأذكرها غداً إن شاء الله.