يُقضى في هذه اللحظات التي أكتب فيها هذا المقال على حُلُم إيران بالتوسع في بلاد العرب عن طريق مليشياتها المسلحة المتطرفة، خاصة في اليمن السعيد الذي حولته الحروب الأهلية بتأجيج إيران لها خلال ثلاثة عقود إلى يمنٍ غير سعيد، وذلك منذ وصول الرئيس اليمني المخلوع (عفاش) إلى الحكم عام 1978 إلى يوم خلعه في 25 فبراير 2012 بمبادرةٍ خليجية، لتقضي على أساس الفتنة اليمنية التي أشعلها إخوان اليمن ضد (عفاش)، وكانت المبادرة الخليجية لو نفّذت بطريقة صحيحة، مناسبةً جداً للوضع اليمني وكان سينتهي بها البلاء، لكنّ (عفاش) أبى إلا أن يذيق اليمنيين المآسي والمصائب ويدمّر بيوتهم ويقطّع أعمالهم وأعمارهم فاستنجد بالحوثيين وتآمر معهم للاستيلاء على (صنعاء) واليمن كله بعد ذلك، وقد فعل ونجحت خطته فبسط هيمنته على جميع البلاد اليمنية في وقتٍ قصير ولم يجدا ضدهما مقاومةً تُذكر اللهم إلا مناوشات من هنا وهناك لا قيمة لها، فدانت له جميع الأراضي ومنها (باب المندب) الاستراتيجي الذي تسعى وراء السيطرة عليه إيران بأي وسيلة.

 

في الماضي كلُّ من يسيطر على مضيق (باب المندب) فإنّه يسيطر على البحر الأحمر كله، ومع هذا لم يكن الأمر ذا أهمية كبرى للعالم حتى جاء عام 1869 عندما تم افتتاح قناة السويس، فأصبح (باب المندب) يمثل الأهمية القصوى لمصر ولجميع الدول التي تريد اختصار الطريق والوصول مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط، ولهذا حرصت عليه بريطانيا إبان استعمارها، لأهميته القصوى، ولا أذكر في كتب التاريخ التي اطلعت عليها أنه أغلق إلا في سنة 1973 أثناء حرب أكتوبر مساعدة من الحكومة اليمنية لمصر في الحرب مع العدو الصهيوني، وذلك مكافأة لجميل مصر على الجمهوريين الذين خاضوا حرباً شرسة ضد الإماميين وكان من بينهم (عفاش) الذي شارك في الحرب، ولكن بصفة سائق مدرعة آنذاك، ولهذا يجمع المحللون أنّ باب المندب لا يمكن أن يُترك بأيدي إرهابيين من أمثال الحوثيين، فيستخدمونه سيفاً مهنّداً في وجه خصومهم، وهذا ما تريده إيران، وقد باح بهذا الأمر عدة مرّات المعمّمون الجهّال وقائد حزب الله اللبناني الإرهابي.

وعن أهمية هذا المضيق الخطير تحدثت دراسة بعنوان (نقاط الاختناق البحري ونظام الطاقة العالمي.. تحديد طريق التقدّم) أعدها تشارلز إيمرسون وباول ستيفينز من مركز (تشاتام هاوس): إلى أنّ نظام نقل الطاقة العالمي عرضة للتوقف في نقاط اختناق رئيسة من بينها مضيق (باب المندب) الاستراتيجي، وهذا التوقف لو حصل فإنّ تأثيره في أسعار الطاقة وواردتها وأسواقها سيعتمد بشكل رئيسي على مدة هذا التوقف، فقد يسبب طول المدة إلى زيادة الأسعار، لأنّهم سيضطرون للالتفاف من رأس الرجاء الصالح، وهذا يفسر التركيز الكبير للمخططين الاستراتيجيين ولشركات الطاقة في العالم على مضيق (باب المندب) ونقاط الاختناق المهمة الأخرى.

وقد وعدتكم أن أحدثكم عن قصة الفرس الإيرانيين في باب الدموع أو (باب المندب)، فقد وجّه نظري البكري في كتابه (معجم ما استعجم) إلى هذه الحادثة فيقول: «المَنْدب أرضٌ باليمن في ديار بني مجيد وإلى المندب خرج الفرس (الإيرانيون) من ساحل الشحر، وهناك التقى القوم». فما هي هذه القصة وهل لها علاقة بسيف بن ذي يزن وخروج الأحباش من اليمن على يده بمساعدة الفرس؟ أغلب الظن أن البكري يشير إلى القصة المعروفة عن إرسال كسرى أنوشروان جنوده لسيف بن ذي يزن الحميري الذي استطاع بهم فرض سيطرته على اليمن وطرد الأحباش من بلاده، وكانت معركة باب المندب آخر تلك الحروب التي من بعدها رجعوا إلى الحبشة يجرون ذيول الهزيمة.

يعود التاريخ مرة أخرى ولكن ليس للفرس بل بأيدي العرب المخلصين، فبعد هذا الانتصار الكبير في (باب المندب) للشرعية وقوات التحالف العربي على الحوثيين أعوان إيران و(عفاش) خائن العروبة، فإنّ فتح (صنعاء) لم يعد بعيداً، وستعود الحكومة اليمنية بإذن الله إلى عاصمتها ليعيش اليمنيون في إعمارٍ وتنميةٍ وحضارةٍ، بعد أن حرمهم منها عفاش طوال هذه العقود، وستبقى دول الخليج العربي سنداً وعوناً لهم للبناء وليس للتدمير كما فعلت إيران وأذنابها.