الإصبع السادس

فلسفة الزعيم الأسود

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يدرك ذلك الصبي بأنه سيصبح أحد أساطير منتخب بلاده في يوم من الأيام حيث كان بالنسبة لأصدقائه مجرد بائع متجول للصحف والمجلات يتمتع بحس الدعابة، حيث كان دائما يمازحهم بالقول: إن الصحف لا تنشر سوى أمرين صحيحين ( الثمن والتاريخ ) ! ومن خلال هذه القفشات اليومية والحياة الصعبة تكونت فلسفة ذلك الصبي الذي أصبح فيما بعد واحدا من أساطير منتخب أورغواي الفائز بكأس العالم 1950 في البرازيل !

لم يدرك كابتن أورغواي " أبدوليو فاريلا " بأن الأقدار قد خبأت له تفاصيل درامية لم يشهد مثلها التاريخ ..فالحدث هو نهائي كأس العالم في ملعب الرعـب البرازيلي " الماراكانا " الذي اكتظ بمائتي ألف متفرج أتوا لمشاهدة الانتصار البرازيلي العظيم وأمام هذا المشهد المهيب توقع الجميع هزيمة تاريخية لنجوم "لاسيليستي " لدرجة أن اتحاد بلادهم استسلم مبكرا رأفة بحال لاعبيه وتوقع أن تهزم أورجواي بالسـتة!

وأمام هذا الوضع البائس خرج الكابتن " فاريلا " والملقب بالزعيم الأسود ليصرخ في وجه زملائه قائلا: لا تنظروا إلى المدرجات أبدا ففي مثل هذه المباريات تحسم الأمور بالعزيمة وليست بالأقدام وعلينا أن نفكر بالفوز فقط !

حينها توقفت عقارب الساعة لتشهد بنفسها أكثر اللحظات عاطفية في تاريخ كؤوس العالم حيث انتصرت أورغواي بهدفين مقابل هدف بفضل دهاء ومكر الزعيم فاريلا الذي غرس قدرة التضحية والروح القتالية في نفوس اللاعبين ليكسر بها شوكة البرازيل التي ما زالت تذرف دموع الندم حتى يومنا هذا ..وأمام هذا القهر والحزن انتقلت أصابع الاتهام فورا لحارس المنتخب البرازيلي " باربوسا " الذي يتحمل مسؤولية هدف أورغواي الثاني...يقول باربوسا بأن أقصى عقوبة في البرازيل السجن ثلاثين عاما ولكنني ما زلت أعاقب على هذا الخطأ منذ أكثر من نصف قرن !

ولعل أبرز من سقطت دموعه في تلك اللحظة رجل تجاوز العقد الرابع من عمره حضر برفقة طفله البالغ تسعة أعوام الذي لم يتحمل دموع والده وقال له لا تبكِ لأنني سأضع كأس العالم مرة أخرى بين يديك..وهذا الطفل لم يكن سوى " بيليه " !!

إنها كرة القدم يا سادة تختلط فيها كل معاني الإرادة والعزيمة. فمن أراد أن يذكره التاريخ عليه أن يستلهم العبر والدروس من خلال قصص الرياضيين وهذه لم تكن سوى رسالة رقيقة أبعثها لنجوم المنتخب الأردني الذين سيواجهون اليوم أحفاد الزعيم الأسود ومنتخب أورغواي ..تذكروا كلماته جيدا فإنها المفتاح السحري الذي استخدمه لفتح خزنة السامبا !

وبغض النظر عن نتيجة اللقاء ومن سيتأهل ستبقون في أعيننا منتخب النشامى الذي تحدى حيتان المنطقة ليدافع عن حقه الطبيعي في الوصول لحلم البرازيل ولو كان في نظر البعض "صعب المنال" !

الإصبع السادس :

اجعلوا أحلامكم كلها "يقظة" فطريق المبدعين والملهمين بدأ بحلم اليقظة فلا تسمحوا لأي أحد أن يسلبه منكم !

Email