هذه ليست علامة تجارية لمصنع الحديد الجديد في عاصمة أسبانيا مدريد، هذه المدينة التاريخية التي تعدت كونها عاصمة سياسية للمملكة الأسبانية وأصبحت العاصمة الرياضية لكرة القدم الأوروبية، وإذا أضفنا إلى مدريد برشلونة الساحرة، ستنفرد أسبانيا بكل الجواهر الثمينة وعناصر المتعة في فنون كرة القدم الجميلة.

وبالرغم من أن أنواع الحديد الرئيسة والمعروفة لدينا من أيام الدراسة الثانوية والتي تتراوح بين المطاوع والزهر والصلب، إلا أن مصنع حديد مدريد لا يتعامل إلا مع الحديد الصلب، لا يقبل إلا مدخلاته وليس له مخرجات غيره، حديد في حديد لا ينتج إلا حديداً ولهذا مباريات مدريد ليس فيها جديد ولكنها من حديد، ويقول المثل لا يفل الحديد إلا الحديد.

متعة كرة القدم تكون من نوع مختلف تماماً عندما تمتزج القوة مع الفن، بل وتنصهر القوة مع الفن وتنتج لنا كرة قدم مدريدية، ولا تخرج معاني كلمات ريال وأتليتكو في اللغة اللاتينية عن الرياضي الملكي القوي، هذه هي كرة مدريد، علامة تجارية خاصة بها، وتذكرنا بالمهندسة الفنانة زها حديد.

حيث اللعب بالهندسة في الرسالة وفي التصميم، هي كانت تلعب كرة قدم مدريدية في العالم الهندسي، وريال وأتليتكو يتفنون في الهندسة الحديدية ويتقنونها في العالم الكروي، وهذه هي كرة مدريد استمتعنا بها أوروبياً منذ عامين عندما تفوق ريال على أتليتكو، وتتمتع بها أسبانياً سنوياً في ديربيات مدريد المحلية، وعادت لنا الفرصة هذا العام مرة أخرى أوروبياً عندما تجمعت مدريد في مدينة ميلانو الأزياء وكل جديد.

سيموني مع أتليتكو مدريد من زمان، لاعباً ومدرباً وقد أسس للنادي شخصية وعنواناً، وفي الواقع أن شخصية النادي هي شخصية سيموني، شخصية حديدية قوية في كل شيء وفي كل وقت، وملامح الوجه عنوان ذلك والأداء في الملعب هو واقع ذلك، عناصر الفريق ليست باهظة الثمن ولكنها ثقيلة الوزن ومع ذلك هي خفيفة الحركة وجداً صلبة ولهذا أصبح أتليتكو شريكاً كاملاً في المنافسة المدريدية، ومع ذلك غالباً ينتهي مخزون الوقود في المتر الأخير وهذه ضريبة الاستهلاك السريع.

كما حدث في نسخة أبطال الدوري الأوروبي منذ عامين عندما خسر أمام ريال مدريد بالتحديد في الوقت الإضافي بعد أن خسر تقدمه في الوقت الأصلي في آخر الثواني، ولهذا يقول المثل ( كثرة الدق تفك اللحام ) ولو كانت مواد اللحام من صناعة سيموني .

حيث انصهر الجدار الحديدي، قبل أن ينهار في تلك المباراة، وسيموني يقول لا تلوموني، هذه خطتي وهذه خلطتي، أتليتكو قوة جبارة من عناصر عادية ولكن خارقة، وتقدم في كل المباريات كرة القدم الحقيقية، قوة الفن وفن القوة.

أما ريال مدريد فهو في هذا الزمان وحتى الآن مع القوة الصامتة لشخصية زيدان فقد زاد لمعاناً، لمعان الريال ولمعان أيضاً زيدان، نصف موسم استثنائي لمدرب في المستوى الابتدائي.

وكلا الفريقين يتكونان من مجموعة عناصر متكاملة ومتجانسة، قامات وخامات وطاقات ومهارات وشخصيات، وكلا الفريقين يعتمدان على القوة الهجومية الصادمة وعلى المتانة الدفاعية الصامدة، والضربات القوية المباشرة وخاصة الحرة والقانونية، وهي دائماً تكون نافذة ومؤثرة وتنتهي بإحراز الأهداف بصورة مباشرة وغير مباشرة وتكون طريق الفوز والظفر بالبطولات والنواميس.

وفي هذا العام مدينة مدريد هي الفائزة، والشغف والحماس للجماهير، والسعادة والمتعة للمتفرجين، والدروس المدريدية للجميع، لا تكفي الموهبة أو القوة وليست هي الأهم، والأهم القيادة خارج الملعب وداخله، القيادة التي تحفز فريق العمل لاستخراج واستخدام أقصى ما عند الفرد ذاتياً وتعاونياً مع باقي أعضاء فريق العمل.

هذا هو الجهد وهو المطلوب والنتيجة في كرة القدم لا يمكن التكهن بها خاصة عند المنازلة بين الكبار، ولا يمكن أن نتحكم بها، فالكرة تظل تتدحرج حتى تستقر، وقد استقرت هذا العام أيضاً في المتر الأخير، ويظل أتليتكو قوة القيادة، ويظل ريال ملك أوروبا.