تكاد تكون العلاقة بين الفارس والخيل من أكثر العلاقات التي تجسد العلاقات القريبة، مجازاً، بين كائنين، أحدهما إنسان والآخر حيوان. وقد لاحظت ذلك على ابني منصور عندما بدأ في تعلم ركوب الخيل، فشخصيته تغيرت منذ ذلك الوقت، اختلفت مشاعره تجاه الآخرين، وتعامله معهم، فوجدته ينشئ صداقة مع الخيل؛ صداقة تعلمه الكثير.

وحين يرتبط إنسان بفرسه يظهر الارتباط ذا تأثير واضح في قيادة خبراتنا الواقعية والسلوكية، فهما مرتبطان، والرفقة بينهما ممتدة عبر العصور القديمة، وقد بدأت تلك القصة قبل الميلاد، فكانت حكايتهما مصدر إلهام للفنانين والشعراء، وكانت هي التي ساهمت في ابتكار المحرك. إن الخيول لم تكتفِ بشهادتها على التطور الحضاري، بل ساهمت في عدوها مع الحضارة حتى عصرنا الحالي.

إضافة إلى كونها رفيقة دربنا طول الرحلة الإنسانية، فكانت لنا خير معين في الحروب وإنشاء الطرق والمساهمة الكبيرة في الزراعة، لكن يبقى واحد من أهم الإنجازات الحقيقية لها أنها قربت المسافات..

وحينما حلّت الآلة محلها، ظلت في ذاكرتنا ولم ننسها، فكانت مصدر إلهام لنا ولم نستغنِ عنها عند ابتكار الآلة المحركة، فكانت هي المقياس الذي نقيس به قوة المحرك. يقول المهندس والمخترع الاسكتلندي جيمس وات، إنني جعلت قوة المحرك تقاس بقوة مجموعة من الخيول وقدرتها على جر كمية من البراميل في الدقيقة الواحدة. مازلنا حتى يومنا هذا نقيس قوة المحرك بقوة مجموعة الأحصنة horsepower.

لقد استطاعت الخيول أن تسهم في تحسين حياة المجتمع وجعلت الحضارة ممكنة، بل وجعلت حياتنا أسهل وأجمل وأكثر أمناً، بعد أن كان الإنسان يعتمد على الكلاب والخراف في الألفية الثالثة قبل الميلاد، بدأ بالتفكير بالاعتماد على الخيل في الأعمال، بل حين يمتطي الفارس صهوة جواده كأنما تكون تلك الانطلاقة لعلاقة من التماهي والاندماج، ليصبحا كلاً واحداً.

لعل أول إنسان فكر في امتطاء الخيل أخذ منه وقتاً طويلاً واستجمع جرأة كبيرة للقيام بذلك، ولم يعلم في حينها أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنه من فتح للبشرية مجال تحقيق المعجزات في المستقبل حتى بلغت تلك المعجزات رحلات الطيران، وكان الحصان في البداية يُمتطى عاري الظهر، ولم يوضع على ظهره السرج، ولا في فمه اللجام، وأول ما استعمل اللجام والسرج كان للحصان العربي الأصيل.

لقد غيّرت الخيل طرق الناس في كسب قوتها وتعليم الأطفال، واختيار الرياضات وممارسة العبادات وكيفية إدارة الدولة والمساعدات الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية.

إننا يجب أن ننظر إلى الخيل، اعتباراً من هذه اللحظة، بنظرة احترام وتقدير للدور الذي تقوم به في حياتنا. هناك بعض التجارب والأشياء والأشخاص الذين يجب أن ننظر إليهم بعدة زوايا حتى نتخذ القرارات الصحيحة حيالهم. إن تجربتي ومعلوماتي عن الخيل علمتني الكثير، وجعلتني أنظر إلى هذا الكائن باعتباره ممن كان له بصمة مؤثرة في تاريخ الحضارة الإنسانية.

النُّهْيَة: الخيل جميل شكلاً، وعظيم فائدةً، فنواصيها قد عقد فيها الخير. شكراً لك يا خيل على أنك علمتنا كيف نحب، ولأنك غيرت حياتنا للأفضل.