وكأن الكرة تقدم لنا موجزاً ملخصاً لأحوال العالم.
في المونديال تبين أن الصغار لم يعودوا صغاراً، وأنهم قادرون على مواجهة الكبار، ولم ترعبهم ألوان قمصانهم، ولا أسماء دولهم، ولا وجوه لاعبيهم الذين كانوا يرونهم يجولون ويصولون في ملاعب الدوريات المشهورة بتميزها وقوتها.
لم تخف تونس من الفرنسيين، أسقطت تاريخهم قبل أن تواجههم في الملعب، وتصور منتخبها بأنه يلعب مع فريق مثله، يتكون من أحد عشر لاعباً، وهزمت فريقهم قبل أن تغادر البطولة.
وهكذا فعلت اليابان عندما أقصت ألمانيا، لم تلتفت إلى تصنيف «الفيفا» لهذا المنتخب، فكان الألمان أمامهم مجرد لاعبين، يفوزون، وقد يهزمون، يأخذون البطولة وقد يخرجون منها، فخرجوا إلى المطار عائدين إلى بلادهم بعد أن فقدوا الثقة في أنفسهم نتيجة هزيمتهم في المباراة الأولى من اليابان.
وكوريا الجنوبية فعلتها وصعدت على حساب الأوروبيين وكبار أمريكا اللاتينية إلى الدور الثاني، والسنغال أيضاً وأستراليا، ولا ننسى المغرب التي احتلت الصدارة في مجموعتها، فالموازين تغيرت، والذين يحملون كأس العالم من قبل لم يفارقهم الرعب طوال 12 يوماً، ولم تسلم من ذلك البرازيل التي هزمت من الكاميرون رغم صعودها، فالكأس المر الذي مرت به الأرجنتين في مباراتها مع السعودية، ومن بعدها الألمان والأسبان والبرتغاليين والفرنسيين والبلجيك، سيشرب منه الآخرون.
الأرض تدور، والمواقع تتغير، في الكرة وفي السياسة، وفي القوة العسكرية، وما رأيناه في الدوحة هذه الأيام قد نراه في شتاء أوروبا، وفي بحر الصين، وفي أوكرانيا، وفي المحيط الهادي، وفي اقتصاد غربي يقترب من الركود وهو يسير نحو الانهيار، فالكرة لم تعد في ملعب الكبار سياسياً وعسكرياً ومالياً، أصبحت الكرة مع لاعبين جدد، تدربوا وأتقنوا وتفوقوا في جوانب كثيرة، ومن سيتعثر اليوم سينهض ويفوز في الغد، فالدوحة ليست آخر البطولات، وكرواتيا ليست آخر المواجهات!