قبل وبعد

من سيزوّر شهادات الماجستير والدكتوراه للباحثين في العلوم الإنسانية أو الاجتماعية والسياسية اليوم سيزوّر ويزيف شهادات الأطباء والمهندسين وكل العلوم الأخرى!

هذا ما يجب أن نتوقعه، فالذين يسوّقون الذكاء الاصطناعي بسلبياته قبل إيجابياته يفخرون بأنه «ينتج» مواد تختلف عن تلك التي يسرق منها، وقد جاء ذلك صراحة في إعلان إحدى الصحف التي بشّرت القراء بمقالات أفضل من كل ما اطلعوا عليه في حياتهم، وصاحب إعلان الشهادات العليا يقول مثل ذلك، فهو «موقع يكتب لك فقرات كاملة بدقة عالية مع التوثيق»، هذا نص كلامه، ومعناه أن الطالب الباحث الذي سيلبس «روب التخرج» والقبعة بعد أشهر، وقد يلتحق بهيئة التدريس في جامعة، أو يتسلم إدارة مؤسسة متخصصة، لم يفتح كتاباً، ولم يبحث عن معلومات في المكتبات بمراكز الأبحاث والدراسات العالمية، ولم يستخلص معلوماته لبحثه المتميز بجهوده، وقد لا يقرأ ما كتبه له الذكاء الاصطناعي، وهنا تكون الكارثة التي ستنتقل منه إلى طلابه إذا كان أستاذاً، وإلى مرضاه إذا كان طبيباً!

وسيشكل إعلان ذلك الموقع فرصة لمن يرغبون في التفاخر بحمل الشهادات العليا وإضافة حرف «د» إلى أسمائهم، وأعتقد بأننا نتذكر حملة مراجعة الشهادات في إحدى الدول الخليجية قبل سنوات، وكيف سقطت أسماء وشخصيات كانت لامعة في مجالات مختلفة، ويقول «موقع يعتبر وكيلاً يبحث ويكتب ويعطيك المصادر»، ونسي أن يقول «ويوقع نيابة عنك بتوقيع أصلي وذكي»، ومثل هذا إذا حدث من سيثق بحملة الشهادات العليا؟

لا أحد، فالجميع سيكونون مشتبهاً فيهم، متهمون حتى تثبت براءتهم، وحتى يحدث ذلك سيكون المجتهد الذي أتعب نفسه في البحث والدراسة واقفاً في نفس القفص، وقد يختصر كثيرون الطريق، ويسيرون على مبدأ «قبل وبعد»، أي قبل الذكاء الاصطناعي أو بعده، وهنا، وبناءً على الإجابة سيتم تقييم حامل الشهادة!

الأكثر مشاركة