بعد هذه الحرب سيكون العالم مختلفاً، فالخاسر الأكبر ليس إسرائيل كما قال الرئيس الأمريكي بايدن، بل الولايات المتحدة نفسها ستحتاج إلى «لملمة» مساوئها لسنوات، ففي السياسة إذا سقط القوي والكبير يكون من الصعب عليه أن يعود كما كان.
فإذا كان نتانياهو يخاطر ولا يزال بفقدان الدعم من العالم الذي كان يؤيده، فإن الولايات المتحدة سجلت فعلاً خسارة فادحة في علاقاتها الدولية، فما عاد الصديق يثق في مصداقيتها، وأصبح الحليف خائفاً من الغدر إذا سار خلفها، فالذي حصل في غزة لم يؤيده إلا بايدن وإدارته، بخلاف الطاقم الإسرائيلي الحاكم، ومن خاضوا في مستنقع الدماء والتدمير في الأيام الأولى من قادة الغرب تداركوا الأمر بسرعة وابتعدوا عن سياسة تأييد الظالم، وكان على بايدن أن ينتبه عندما اتضحت الصورة في منتصف أكتوبر، وأن يكون أكثر إدراكاً لنتائج انفلات نتانياهو، ولا يكون تابعاً وهو الكبير، فسقطة الكبير مدوية، وتصحيح الأخطاء بعد أربعة أشهر ونصف الشهر لن تمحو آثارها، فالعالم دخل فعلاً في «مرحلة التوجّس» من الولايات المتحدة، أما الشرق الأوسط فقد اتسعت المسافة الفاصلة بينه وبين إدارات تلك البلاد المتعاقبة، خاصة في العقدين الأخيرين، وجاء بايدن ليتمّم ذلك التباعد الذي نراه بالعين المجردة!
العالم بعد الحرب سيودّع نتانياهو والمتطرفين الذين يحيطون به، ولن تكون إسرائيل الدولة ذات الامتيازات لدى الغرب، ولا نستبعد أن تكون كذلك مع الأمريكان، فرحيل بايدن يقترب، ومن سيأتي مكانه سيجد واقعاً جديداً يجب أن يتعامل معه، وقد يقضي فترة رئاسته وهو يحاول التخفيف من الأضرار الناتجة عن التأييد المطلق لحرب يشنّها جيش مدجّج بالسلاح ضد شعب أعزل مُورست ضدّه كل أنواع الظلم والقهر، وستختفي حماس فجأة كما ظهرت فجأة، وسيتغيّر الحال داخل الأراضي المحتلة، ولن تعود الثقة بالولايات المتحدة إلى عهدها السابق إلا بفرض الحلّ الدائم لقضية فلسطين.