الحقيقة لا تموت

مشهد مخزٍ، ذلك الذي رأيناه في قاعة الكونغرس الأمريكي، هناك في واشنطن، حيث مر العظماء، وشرعت القوانين التي رفعت من قيمة الإنسانية، هناك حيث التطور والتحضر وتمهيد الطريق أمام حياة أفضل، وكرامة مصانة، هناك أهدرت مكاسب تاريخ يمتد لقرنين ونصف القرن، عندما استقبل المنافقون المتسولون مجرماً مداناً في حرب إبادة جماعية وتجويع شعب أعزل.

لو وقف النواب الحاضرون في أمسية الأربعاء وصفقوا حتى تورمت أيديهم لن يغيروا الحقيقة الماثلة أمامهم.

ولو كان ثمن ذلك الاحتفاء فوزهم في الانتخابات القادمة، واستمرارهم في الواجهة السياسية، كيف سيمحون العار الذي لطخهم؟ وكيف سيواجهون شعبهم؟

نواب أمريكا عكسوا الواقع، ونسوا أنهم في قاعة خرجت منها القواعد الأخلاقية لحقوق الإنسان، ومنها تم القضاء على التمييز العنصري، وكتبت مبادئ المساواة بين البشر دون تفرقة بين الأصل والجنس واللون والعرق والمعتقد.

قلبوا الحقيقة، معتقدين بأنهم بالتهليل والتصفيق سيغطون على أفعال بنيامين نتانياهو، وهو القادم إليهم ليبتزهم، ويبحث عن «مطهرات» تزيل آثار الدماء العالقة به، وكأنهم «صبية أغرار» مندفعون خلف الخديعة غير الغائبة عنهم، ولكنها المنافع الشخصية «ويا ويل بلاد تتقدم فيها منفعة الشخص على المنفعة العامة، ومصلحة الحزب على مصلحة الوطن».

صناديق الاقتراع في الخامس من نوفمبر سترد على أولئك الذين باعوا «الرأي العام»، وشعبهم الذي سيصوت لهم أو ضدهم، مقابل شراء رضا من لا يملك صوتاً، ولا تتقبله الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي، ولو كان «المصفقون» يتعظون لتلفتوا حولهم بحثاً عن جو بايدن، فهو الرئيس الذي قدم لإسرائيل من الدعم ما لم يقدمه رئيس قبله، ومع ذلك أصبح قابعاً في زاوية مهمشة، ولم ينفعه نتانياهو الذي تنتظره المحاكمات وملفات الفساد وسوء الإدارة داخلياً، وقرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية خارجياً.

الحقيقة لا تموت وإن حاولوا طمسها بالتصفيق للمجرم.