غباء الأذكياء

بنيامين نتانياهو ليس غبياً، بل على العكس، هو حاد الذكاء، ولو لم يكن كذلك ما استطاع أن يحكم الشعب اليهودي يوماً واحداً.

هذه حقيقة، والحقيقة تقال دون خجل أو تردد للصديق والعدو، حتى لو أغضبت الطرف الآخر، لأنها مرة مرارة العلقم.

هو ذكي، يعرف ماذا يفعل، ولم يفعل، وكيف يفعل، ومتى يتوقف عن ما يفعل، والذكي غير معصوم من الخطأ، خاصة إذا لم يجد من ينصحه أو يوجهه، وتأخذه العزة بالإثم إذا كان الكل عاجزاً عن لومه أو معاتبته، ويفقد اتزانه إذا لم يقف في وجهه كبير يصحح مساره، ويخفف من اندفاعه ليضيف إلى الخطأ عشرات الأخطاء، حتى كاد يدخل العالم في متاهة حرب وقتل وتدمير، نتيجة اعتقاده بأنه الوحيد الذي على حق!

وهو ليس على حق، بل يسير برضاه نحو مصير مجهول سيكون هو أول ضحاياه، وهذا الأمر واضح وجلي، نتبينه منذ بدايات حرب غزة، عندما ادعى أن تدمير غزة يعني تدمير حماس والقضاء عليها، وأن ارتفاع عدد القتلى والجرحى ورقة رابحة يستطيع أن يساوم عليها، وعندما تلاعب بالوقت، وأضاف على شروطه شروطاً مع كل محاولة لإيجاد حل، ورفض صفقات إطلاق الرهائن والمعتقلين واحدة تلو الأخرى، وبدأ يشيع الفوضى، وينشر الاستفزاز بإملاء شروط على الآخرين، من عند حدود مصر إلى الضفة الغربية، حتى وصل إلى تقمص شخصية «رامبو»، من عملية اغتيال هنية داخل الأراضي الإيرانية إلى إنزال قوات خاصة في سوريا، واستكمال محاولاته لجر ميليشيات نصر الله لحرب مفتوحة!

وبعد كل هذه التصرفات الغبية الناتجة عن غرور أزاح عقله وسيطر عليه لا يمكننا أن نقول إن نتانياهو ذكي، لا، إن الذكاء تبرأ منه، ولا أظنه سيعود إليه من جديد، فهو الآن في منتصف النفق، الظلام من أمامه ومن خلفه، ولن يرى غير السواد الناتج عن نفس طغت، وعقل دمرت خلاياه الغطرسة، وأصبح ذكاؤه عدواً له؛ لأنه يعتقد أن أفعاله الشاذة هي الطريق لتحقيق ما عجز عنه أسلافه!

الأكثر مشاركة