تدنت لغة الحوار، وما عاد الخلاف في الرأي خاضعاً للقيم والمثل العليا التي كان يتمتع بها من يسمون بالنخبة في المجتمعات الغربية، أولئك الذين كانوا يواجهون خصومهم بالحجج القائمة على الأرقام والنتائج، وبالحوارات المبنية على الحقائق وليس الادعاءات حول الأصول والأعراق والعيوب الشخصية، وانجرف الجميع، رئيس سابق ونائبة رئيس مرشحة للرئاسة، ورئيس ما زال في البيت الأبيض، وذكرونا بصبية «الحارات» عندما يتشاجرون، فأصبح كل شيء مباحاً عند الطبقات الحاكمة، حتى وصلوا إلى «القمامة»، فكانت هي الكلمة الأسهل والأكثر تداولاً في الأيام الأخيرة للحملات الانتخابية، وخاصة حملة الديمقراطيين، حيث تناوب جو بايدن وكامالا هاريس على وصف دونالد ترامب بهذه الكلمة المشينة.
ولم يتركهم ترامب، فهو من أدار عملية سحب منافسته السيدة هاريس إلى لغته وأسلوبه في اختيار الألفاظ المستخدمة في الأوساط الشعبية، ظناً منها بأن هذا هو المطلوب، وقد تبعها بايدن في آخر ظهور له، ولطخ سمعته وشوّه صورته التي قدمها طوال 50 عاماً من عمله السياسي، وظهر ترامب وهو يقود شاحنة جمع القمامة عند ذهابه إلى تجمع انتخابي في إحدى الولايات!
هذه أسوأ انتخابات تشهدها الولايات المتحدة في عصرها الحديث، وقد تكون السنوات الأربع القادمة هي الأسوأ بعد تنصيب الفائز من بين المرشحين، ولأننا في اليوم الأخير ما عاد هناك مجال للتقييم والاختيار، وقطعت كل موجات التفكير، فهذا هو الموجود كما يقول بائع الخضراوات المعطوبة، وعلى الأمريكان أن يصوتوا للأقل ضرراً، والأكثر فائدة لبلادهم وللعالم، حتى تتجنب البشرية العيش في ظل رعب خوض تجربة قد تؤدي إلى الهاوية.
اليوم وغداً سيكونان الأكثر هدوءاً، فالناس سينشغلون في عملية الإدلاء بأصواتهم، دون ضجيج أو تدخلات، ولكن ساعات الليل ستكون الأكثر سخونة، وسيبدأ اللعب!