بعد أربع سنوات من الاستغراب للحالة التي كان يبدو عليها، عدم التركيز، وعدم المقدرة على تسمية الأشخاص، واختلاط الاتجاهات أمامه، وتعثره على سلم طائرة أو فوق منصة استعراض، وبعد أن جعل حتى من لا يحبونه يتعاطفون معه، من باب الإنسانية ومراعاة كبر سنه، بعد كل ذلك نكتشف أن جو بايدن في كامل قواه العقلية والبدنية!
قراره الأخير، والخاص بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لقصف العمق الروسي، يدل على أن بايدن ليس مصاباً بأي عارض من أعراض الشيخوخة، لا خرف ولا زهايمر ولا «توهان» ولا نسيان، ولا عجز في الإدراك والتمييز والتصرف، وهو على هذه الحال منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية عندما أعلن في اليوم التالي لسقوط نائبته وخسارة حزبه المدوية بأنه سيبذل جهوده لإيجاد حلول في القضايا العالقة عالمياً، واعتقد الجميع بأنه يقصد إنهاء الحروب في بقعتين اشتعلتا تحت نظره ورعايته، في أوكرانيا وفي غزة، ولكن الواضح أنه يسعى إلى ما هو أبعد من ذلك!
إنه يجمع الحطب ليلقي به في تلك النيران المشتعلة، وهذا تصرف فيه من ألاعيب السياسة الكثير، فرغم أنه في المرحلة الانتقالية التي تفرض عليه أدبياً أن يتشاور مع الرئيس المنتخب في القضايا الهامة، فهو راحل بعد شهرين، والآخر أمامه أربع سنوات جديدة، ولم يفعل ما هو متوقع منه، بل فعل العكس، وفتح مجالاً متسعاً لتطورات قد تقلب الأوضاع عالمياً، وليس بين روسيا وأوكرانيا فقط، وهدفه «توريط» ترامب حتى لا يهنأ بالرئاسة، وينشغل في إطفاء ما أشعله مع سبق الإصرار والترصد .
كما يقول أهل القانون، فهو من أرسل الصواريخ إلى أوكرانيا ليرهب روسيا منذ فترة طويلة، وفي نفس الوقت هو الذي منع زيلنيسكي من استخدامها حتى لا تتسع رقعة الحرب، وبعد أن لوح له الرئيس الروسي بالقنابل النووية التكتيكية، وتراجع ليحافظ على حرب تقليدية تجنباً لحرب إقليمية قد تتطور إلى عالمية تفسد عليه فترة رئاسته!
واليوم، هو يستعد للرحيل بعد أحداث أشعرته بالإذلال كما يبدو، وفي داخله تراكمات يريد أن يعكسها على من كانوا السبب، فأشعل الفتيل قبل المغادرة، ربما حتى يتسلى في رحلته الأخيرة!