يحمل هذا العصر دروساً مهمة للزمن الحاضر. ففي أيامنا هذه، يشكو العديد من أهل الاقتصاد من أن الأزمة المالية لم تدفع إلى إعادة التفكير بشكل جدي في الاقتصاد التقليدي. ولا يوجد مفكرون اقتصاديون بقامة جون ماينارد كينز في العصر الحديث. بل سنجد بدلاً من ذلك أن القضايا الاقتصادية والمالية تميل إلى الخضوع للمناقشة في صوامع فكرية، من قِبَل متخصصين لا يبالون بالمخاوف الأمنية أو التفاعل بين الأهداف الوطنية والدولية.
لا يخلو الأمر اليوم من تهديدات أمنية من شأنها أن تجعل إعادة النظر في الافتراضات الاقتصادية أمراً ضرورياً، إن لم يكن حتمياً. ورغم أن الأزمة المالية لم تؤد إلى محاسبة فكرية شاملة، فيكاد يكون من المؤكد أن ثلاثة تحديات أوسع نطاقاً للنظام الدولي الليبرالي منذ عام 2016 سوف تقود إلى مثل هذه المحاسبة.
يتمثل التحدي الأول في التهديد الوجودي الناجم عن تغير المناخ، والثاني في الذكاء الاصطناعي وما يترتب عليه من تعطيل متوقع لأسواق العمل، والثالث يتلخص في الثورة النقدية التي تقودها تكنولوجيات مثل سلسلة الكتل، التي تحمل الوعد بخلق أموال غير حكومية.
ما يدعو إلى التفاؤل أن الأمر لا يخلو من مسارات بديلة إلى الأمام. ففي إعادة النظر في الاقتصاد والأمن، سوف نحتاج إلى تطوير نهج يعمل على تعزيز الإبداع في إطار مداولات منسقة حول الترتيبات الاجتماعية والسياسية في المستقبل. ونحن في احتياج إلى تطبيق الخيال البشري والإبداع ليس فقط على عمليات خلق التكنولوجيات الجديدة، بل وأيضاً على الأنظمة التي ستحكم هذه التكنولوجيات.
الواقع أن أفضل مستقبل هو ذلك الذي لا تملك فيه الحكومات والشركات المتعددة الجنسيات القدرة على السيطرة على كل المعلومات. يكمن التحدي إذاً في ابتكار حلول مقبولة عموماً وتستند إلى التعاون وليس تدمير الرؤى المنافسة.
* أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة برينستون