في بداية هذا العام، بدا الأمر وكأن أحوال الاقتصاد العالمي في تحسّن. صحيح أن النمو تباطأ بعض الشيء في عام 2019:

من 2.9 % إلى 2.3 % في الولايات المتحدة، ومن 3.6 %

إلى 2.9 % على مستوى العالم. ولكن لم يحدث ركود رغم ذلك، وقبل فترة وجيزة، في يناير، توقع صندوق النقد الدولي انتعاش النمو العالمي في عام 2020. ثم أتى فيروس كورونا المستجد (COVID-19) ليتغير كل ذلك.

كانت التوقعات المبكرة حول تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد مطمئنة. فقد أحدثت أوبئة مماثلة ــ مثل تفشي مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) في عام 2003، وهو فيروس كورونا آخر وُلِد في الصين ــ ضرراً ضئيلاً على مستوى العالم. وعلى مستوى الصين، تلقى نمو الناتج المحلي الإجمالي ضربة، لكنه سرعان ما ارتد إلى الانتعاش، حيث أطلق المستهلكون العنان للطلب الذي كان مكبوتاً واندفعت الشركات إلى ملء الطلبات وإعادة التموين والتزود بالمخزونات.

مع ذلك، بات من الواضح على نحو متزايد أن فيروس كورونا الجديد من المرجح أن يحدث أضراراً أكبر كثيراً من تلك التي أحدثها فيروس سارس في عام 2003. ليس الأمر أن الفيروس COVID-19 تسبب بالفعل في عدد أكبر من الوفيات مقارنة بسلفه وحسب؛ بل إن عواقبه الاقتصادية من المرجح أن تتفاقم بِـفِعل الظروف غير المواتية ــ بدءاً من المخاطر المتزايدة التي تهدد الاقتصاد في الصين.

في العقد الماضي، كان نمو اقتصاد الصين أبطأ بشكل كبير من المستوى الذي كان عليه في السابق. وبطبيعة الحال، كان ذلك متوقعاً بعد عقود من النمو الذي لم يقل عن خانة العشرات، وقد تمكنت الصين من تجنب الهبوط الـعَـسِر. لكن البنوك الصينية تحتفظ بكميات كبيرة من القروض المتعثرة ــ وهذا مصدر لمخاطر كبرى.

مع تسبب تفشي فيروس كورونا الجديد في تعطيل النشاط الاقتصادي ــ وهو ما يرجع جزئياً إلى تدابير الحجر الصحي غير المسبوقة المفروضة على مجموعات فرعية ضخمة من السكان ــ هناك سبب يحملنا على توقع حدوث تباطؤ حاد هذا العام، مع انخفاض النمو بشكل ملحوظ عن المعدل الرسمي للعام الماضي الذي كان 6.1 %. خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين مؤخراً، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الصين إلى 5.6 % لعام 2020 ــ وهذا أدنى مستوى بلغه منذ عام 1990.

هذا من الممكن أن يُعوَّق النمو العالمي إلى حد كبير؛ لأن الاقتصاد العالمي أصبح يعتمد على الصين أكثر من أي وقت مضى. في عام 2003، كانت الصين تشكل 4 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ واليوم ارتفع الرقم إلى 17 % (بأسعار الصرف الحالية).

ولأن الصين تشكل المركز لسلاسل التوريد العالمية، فإن الارتباكات هناك تعمل على تقويض الإنتاج في أماكن أخرى. ومن المرجح أن تكون المناطق المصدرة للسلع الأساسية ــ بما في ذلك أستراليا، ومعظم أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط ــ الأكثر تضرراً، لأن الصين هي أكبر عملائها. لكن جميع شركاء الصين التجاريين الرئيسيين معرضون للخطر.

على سبيل المثال، انكمش اقتصاد اليابان بالفعل بمعدل سنوي قدره 6.3% في الربع الرابع من عام 2019، بسبب زيادة ضريبة الاستهلاك في أكتوبر الماضي.

وربما يعاني التصنيع الأوروبي أيضاً بشكل كبير. إذ إن أوروبا تعتمد على التجارة أكثر من الولايات المتحدة على سبيل المثال، وهي ترتبط بدرجة أكبر بالصين عبر شبكة من سلاسل الإمداد.

وفي الواقع، في حين أن الفيروس ينتشر إلى بعض البلدان، مثل كوريا الجنوبية، فإن معدل الإصابة المرتفع ليس بالضرورة شرطاً أساسياً للصعوبات الاقتصادية. يميل شبح الأمراض المعدية إلى إحداث تأثير غير متناسب على النشاط الاقتصاد، لأن الأشخاص الأصحاء يتجنبون السفر، والتسوق، بل وحتى الذهاب إلى العمل.

لا يزال بعض المراقبين متمسكين بالتفاؤل بالنمو، وهو التفاؤل الذي تمتد جذوره إلى الاتفاقيات التجارية التي تفاوضت عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً: مثل اتفاق «المرحلة الأولى» مع الصين، واتفاقية التجارة الحرة المنقحة مع كندا والمكسيك. ولكن رغم أن هذه الاتفاقيات أفضل كثيراً مما كنا لنجده لو تمسّك ترامب بمواقفه المتشددة التي كان يدافع عنها ذات يوم، فإنها لا تمثل تحسناً عن الموقف الذي كان سائداً قبل أن يتولى منصبه؛ وإذا كان لها أي تأثير صاف فمن المرجح أن يكون سلبياً.

على الرغم من أنه من الصعب للغاية التنبؤ بحالات الركود العالمية، فيبدو أن احتمالات حدوث ركود ــ وخاصة في ظل نمو يقل عن 2.5 %، وهي العتبة التي حددها صندوق النقد الدولي ــ تبدو الآن مرتفعة بشكل كبير. حتى الآن، يبدو المستثمرون الأمريكيون غير مهتمين بهذه المخاطر. لكنهم ربما يبالغون في شعورهم بالارتياح إزاء تخفيضات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة ثلاث مرات في العام الماضي. فإذا تعثر الاقتصاد الأمريكي، لن يجد بنك الاحتياطي الفيدرالي الحيز اللازم لخفض أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس، كما فعل في فترات الركود السابقة.

حتى لو لم يحدث الركود في الأمد القريب، فإن النهج الذي يسلكه ترامب في التعامل مع التجارة ربما ينذر بنهاية الحقبة حيث كانت التجارة الدولية المضطردة الارتفاع (كحصة من الناتج المحلي الإجمالي) تدعم السلام والرخاء العالميين. بدلاً من ذلك، قد تواصل الولايات المتحدة والصين على المسار نحو الانفصال الاقتصادي، في سياق عملية أوسع من التراجع عن العولمة. والحق أن فيروس كورونا الجديد COVID-19، لم يضع أكبر اقتصادين في العالم على هذا المسار، لكنه ربما يتسبب في تسريع رحلتهما عليه.

* أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد

opinion@albayan.ae