هيمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجائحة فيروس (كوفيد 19)، على عناوين الأخبار الرئيسة في عام 2020.
وقد برزت ثلاثة مصطلحات بشكل خاص كرموز لهذا العام: «مطاردة الساحرات»، و«البجعة السوداء»، و«النمو الأُسّي».
استخدم ترامب عبارة «مطاردة الساحرات» في تغريداته على موقع «تويتر» مرة واحدة كل ثلاثة أيام تقريباً في المتوسط خلال فترة رئاسته، وليس فقط في ما يتصل بمحاكمة عزله.
فقد استمر في استخدام هذه العبارة في وقت لاحق من العام لوصف الاتهامات الموجهة إليه بأنه أساء إدارة استجابة أمريكا لجائحة (كوفيد 19)، والاستفسارات حول إقراراته الضريبية، والتحقيق في السلوك الإجرامي المزعوم في منظمة ترامب، وغير ذلك من المجادلات.
حَـسَـمَ أغلب الناس أمرهم قبل فترة طويلة حول ما إذا كان ترامب مذنباً بتجاوزاته المزعومة. ولكن لم يفكر مؤيدوه ولا منتقدوه بالقدر الوافي في المعاني الضمنية لمصطلح «مطاردة الساحرات». وربما كان ما يعنيه في تصورهم مختلفاً عن معناه الحقيقي.
بدأت «مطاردات الساحرات» الأصلية في أوائل العصر الحديث في أوروبا ثم انتشرت إلى أمريكا المستعمرة، متمثلة في الاضطهاد الديني الذي وقع على المتهمين بممارسة السحر.
في أوروبا، جرى إعدام ما يقدر بنحو 40 ألفاً إلى 60 ألف شخص ــ من النساء في الأساس ــ في الفترة من 1400 إلى 1782. يفكر الأمريكيون عادة في محاكمات الساحرات خلال الفترة من 1692 إلى 1693 في مدينة سالم في ماساتشوستس، والتي أسفرت عن إدانة 30 شخصاً وشنق 19 شخصاً.
لم يُـسـتَـخـدَم هذا المصطلح بشكل شائع إلا في منتصف القرن العشرين، لوصف البحث المحموم عن الشيوعيين «تحت الفِـراش». وكانت مسرحية آرثر ميلر في عام 1953 عن محاكمات سالم بعنوان «البوتقة» عبارة عن قصة رمزية وصفت جلسات استماع السيناتور الأمريكي جوزيف مكارثي حول التغلغل الشيوعي في الحكومة الأمريكية.
من المؤكد أن محاكمات الساحرات في القرن السابع عشر كانت مختلفة عن الحركة المكارثية في جوانب مهمة. إذ كان الشيوعيون موجودين بالفعل. لكن الواقعتين التاريخيتين اشتركتا في أمر واحد يميزهما عن الاتهامات الموجهة إلى ترامب. في مطاردة الساحرات الحقيقية، ينطلق الصيادون من اعتقاد راسخ مفاده أن نوعا بعينه من الأشرار ــ الساحرات أو الشيوعيين ــ يتخفون بين الناس، ثم يحاولون تحديد هوياتهم.
عندما يتهم الرئيس وأنصاره الكثيرون منتقديه بتنفيذ عملية مطاردة ساحرات، فإنهم بذلك يقدمون ادعاءً مختلفاً. فهم يزعمون أن منتقدي ترامب ينطلقون من اعتقاد راسخ بأنه عاجز عن تقديم أي خير، ويرون أنهم مكلفون بالعثور على جرائم يلصقونها به. لقد حددوا هويته، وخرجوا لاصطياده بأي طريقة. الواقع أن كلمات مثل «الاضطهاد» أو «المضايقة» ربما تنقل المعنى الذي يقصده ترامب بشكل أكثر دقة.
تشكل مثل هذه الفوارق أهمية حاسمة. فعندما اتهمت السلطات الفيدرالية رجل العصابات آل كابوني بالتهرب الضريبي في عام 1931، لم يكن ذلك مطاردة ساحرات. إذ كان هدف تحقيقاتهم محدداً سلفاً؛ ثم جرى تحديد الاتهامات الكفيلة بسجنه ــ وهذا تطبيق لحكم القانون.
العبارة الثانية التي كانت غالبة في عام 2020 كانت «البجعة السوداء». عندما انتشر فيروس كورونا المستجد خارج الصين وخلف تأثيره العميق المفاجئ على صحة الناس ووظائفهم في مختلف أنحاء العالم، وصفه كثيرون بأنه حدث محض من أحداث «البجعة السوداء».
كان كتاب «البجعة السوداء» الصادر في عام 2007 لمؤلفه نسيم نيكولاس طالب سبباً في تحويل مصطلح «البجعة السوداء» إلى تعبير منزلي، لأنه وصف كما يبدو الأزمة المالية التي دامت من 2007 إلى 2009 بشكل دقيق. عَـرَّفَ طالب المصطلح على أنه يعني حدثاً كبيراً لم يدرك أحد أنه محتمل، لأن الناس لم يروا من قبل قَـط حدثاً من نوعه. لكن هذه الاستعارة أكثر استبصاراً وفطنة من ذلك.
أخيراً، جرى استخدام مصطلح «النمو الأُسّي» على نحو متكرر في الخطاب الشائع حتى قبل الجائحة ــ وبشكل غير صحيح في كل الأحوال تقريباً، على أنه يعني «سريع».
بطبيعة الحال، يتعين على أي شخص راغب في لعب دور شرطي اللغة أن يواجه الحجة التي ساقتها شخصية همبتي دمبتي في كتاب لويس كارول «عبر البلورة السحرية»، والذي قال بإصرار: «حين أستخدم كلمة ما، فإنها تعني ما اخترت لها أن تعني على وجه التحديد».
لكن الدقة اللغوية غالباً ما تكون مهمة لتحقيق الدقة الفكرية. الأُس مصطلح في الرياضيات. ولا يعني «سريع». على الرغم من صعوبة تصديق هذا، فلا توجد حتى علاقة متبادلة أو ارتباط بين «النمو الأُسّي» ومعدلات النمو المرتفعة. فالأموال التي يحتفظ بها المرء في البنك تتغير بشكل أُسّي، بسبب الفائدة المركبة، لكن سعر الفائدة قد يكون منخفضاً أو حتى سلبياً، كما توضح أسعار الفائدة الأوروبية.
مع اندلاع جائحة كوفيد 19، بدأ الناس أخيراً يستخدمون كلمة «أُسّي» على النحو الصحيح، لوصف عدد الإصابات بالعدوى. والسبب وراء ارتفاع الحالات بشكل أُسّي هو أن كل شخص مصاب ينقل العدوى إلى عدد آخر من الأشخاص. يسمي علماء الأوبئة هذه النسبة المتوسطة «معدل التكاثر»، الممثل في الرمز «R». ويكون معدل التكاثر R0 بين المجموعات السكانية التي ليس لديها مناعة ولا توظف تدابير مضادة.
لا يخلو استخدام الرمز R من عيوب، وخاصة صعوبة تقديره. لكن المفهوم يشير إلى نقطة مهمة. فإذا كان R أكبر من واحد، كما كانت الحال في المراحل المبكرة من الجائحة، ثم كما عادت مرة أخرى في العديد من الأماكن، فهذا يعني أن الأمور تزداد سوءاً.
ومن الممكن خفض القيمة R عن طريق ارتداء أقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، وغسل اليدين بشكل متكرر، وإجراء الاختبار، والعزل، والآن التطعيم بلقاحات كوفيد 19. وعندما تكون القيمة R أقل من واحد، فهذا يعني أن الجائحة بدأت تنتهي، وأن معدل النمو الأُسّي أصبح سلبياً.
أتمنى للجميع عاماً خالياً من الساحرات، وأن يجدوا البجعات التي يتوقعونها، وأن تكون القيمة R أقل كثيراً من واحد في 2021.
* أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.