أثار حجم خُطة الإنقاذ الأمريكية (ARP)، التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن- بقيمة 1 تريليون دولار في الإنفاق لهذا العام، و900 مليار دولار أخرى بعد ذلك، بالإضافة إلى برنامج البنية التحتية والطاقة المُتجددة، الذي تم التعهد به، بقيمة 3 تريليونات دولار- مخاوف العديد من خبراء الاقتصاد الكلي. والسؤال المطروح الآن: هل مخاوفهم مُبررة؟
في الواقع، يمكن تجاهل خبراء الاقتصاد في البنوك وسوق السندات، خصوصاً بعد إثبات عدم صحة توقعاتهم في السابق. في العام الماضي، حذر العديد من هؤلاء الخبراء من أن قانون المساعدة والإغاثة والأمن الاقتصادي في مكافحة فيروس «كورونا» (CARES)، الذي تبلغ قيمته 2.2 تريليون دولار، من شأنه أن يؤدي إلى التضخم المُفرط من خلال زيادة حجم الكتلة النقدية بشكل هائل، لكن ذلك لم يحدث.
منذ أوائل الثمانينيات- ومن منتصف التسعينيات والمرحلة التي أعقبتها- لم يحدث أي تضخم، ولم يكن انخفاض معدل البطالة يميل إلى إحداثه. إن العلاقة بين معدلات التضخم والبطالة ليست رأسية أو مُنحدرة للأسفل، ولكنها مُسطحة، وهذا يعني أنها غير موجودة- هذا إن وُجدت، وقد أشرتُ إلى ذلك في مقال صدر في عام 1997 بعنوان «حان الوقت للتخلص من مُعدل التضخم غير المُتسارع للبطالة»، وبعد مرور إحدى وعشرين عاماً، تمكن أوليفييه بلانشارد من أتباع النظرية الكينزية الجُدد من طرح السؤال نفسه في الصحيفة نفسها: «هل ينبغي لنا أن نرفض فرضية المُعدل الطبيعي؟»
ماذا حدث؟ يمكن تلخيص الإجابة في كلمة واحدة: الصين. منذ أوائل الثمانينيات، بدأ الدولار الأمريكي في الارتفاع، ما أدى إلى انهيار القاعدة الصناعية في الغرب الأوسط والنقابات العُمالية في الولايات المتحدة. أدى الانهيار، الذي أعقب ذلك في أسعار السلع الأساسية العالمية- والاتحاد السوفييتي معها- إلى تمهيد الطريق أمام الصين للظهور باعتبارها الجهة الرائدة في إنتاج السلع الاستهلاكية المُصنعة على مستوى العالم.
في هذه الأثناء، تلاشت جميع القوى، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بعد عام 1970 ، بما في ذلك خفض قيمة الدولار، وارتفاع أسعار النفط، وتسويات تكاليف المعيشة بالنسبة للعاملين في مجال التصنيع (والتي تم تمريرها في هيئة أسعار أعلى).
في الواقع، لا تُعاني الأسر الأمريكية من نقص في الهواتف الذكية وغسالات الأطباق وأحذية الجري، ما ينقصها هو الثقة والأمن، وبالتالي، فإن الكثير من أموال خطة الإنقاذ لبايدن لن تذهب إلى الصين على الإطلاق. سوف تتجه نحو الادخار من أجل تغطية التكاليف المستقبلية، والرهون العقارية، والشركات، وتسديد الديون.
صحيح أن بعض هذه الأموال سيتم إنفاقها على الخدمات، التي تم فقدانها في العام الماضي. سيتم استخدام جزء من هذه الأموال لصيانة أو إصلاح أو تحديث المساكن- وهي النفقات التي تم إهمالها عندما كان الناس يخشون تكبد تكاليف إضافية لدفع أجر سباك أو كهربائي أو صباغ، وسيتم تخصيص بعض هذه المساعدات المالية لبناء منازل جديدة، كما يحدث بالفعل.
يتكون الدرس المُستفاد من شقين. أولاً، لم يعد الاقتصاد الكلي السائد المؤيد للنظرية الكينزية الجديدة في الستينيات دليلاً مُفيداً لفهم الاقتصاد الأمريكي، الذي أصبح مُرتبطاً بشكل وثيق مع بقية العالم وأعيد تشكيله بشكل أساسي إثر صعود الصين. ثانياً، لا تُشكل مشاكل عدم المساواة وعدم الاستقرار، التي تعاني منها أمريكا في واقع الأمر قضايا تتعلق بالندرة المادية. إنها تعكس سوء التوزيع غير المُستدام للثروة والسلطة.
* أستاذ الدراسات الحكومية ورئيس العلاقات الحكومية / التجارية بجامعة تكساس في أوستن. شغل منصب كبير المستشارين الفنيين لإصلاح الاقتصاد الكلي في لجنة تخطيط الدولة الصينية.