تحقق الصين قفزات نمو مهمة وتقوم بمشروعات ومبادرات عالمية نوعية. ولكنها معنية أيضاً بالتركيز على متابعة طموحاتها وأهدافها ومشروعاتها المهمة التي تعتني من خلالها في تحسين ركائز وأسس العمل الخاص بجهود القضاء على أية أسباب للإضرار بالبيئة.
ومن المؤكد أن براهين ومبادرات كثيرة مهمة اتخذت في هذا الاتجاه، فمثلاً قد كان إعلان شي جين بينج في سبتمبر 2020 بأن الصين تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 مبادرة نوعية محفزة لجميع دول العالم للاقتداء بهذا التوجه.
وفي قمة المناخ التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن في إبريل، أعلنت الصين، خلال الخطة الخمسية الجديدة، أنها تعتزم فرض «سيطرة صارمة» على استهلاك الطاقة القائمة على إحراق الفحم لكنها ستسمح بزيادة هذا الاستهلاك، على أن تتجه إلى «خفضه تدريجياً» بدءاً من عام 2026.
لا شك أن جميع الخبراء يعولون على هذه المشروعات والرؤى، ولكن لا بد من أجندات عمل دقيقة وعلمية تقيس مستوى الإنجازات المحققة في الصدد وتكفل نمواً اقتصادياً مطرداً بموازاة منع أية أسباب للإضرار بالبيئة.
تلك هي القاعدة الجوهرية والموازنة المهمة التي يجدر على الصين أن لا تتخلى عن حيثياتها. ولكن لا بد لكافة دول العالم من دعم جهود الصين في هذا الصدد لتقدر على السيطرة على مسببات تلوث المناخ، وذلك عبر عدم جرها إلى منافسات وصراعات باردة، على المستويات كافة، تؤدي لإشغالها عن هذا الهدف الجوهري.
إن جميع المنظمات والمعنيين في عالمنا يرون أن مبادرات الصين في هذا الاتجاه مهمة وحيوية، ويجب أن تتابع البناء عليها. إذ تشير حسابات الخبراء الذين أعدوا تقرير مراقبة الطاقة العالمية، وTransitionZero، وهيئات أخرى، إلى أن الحد من الاحتباس الحراري الكوكبي إلى ما دون مستوى الدرجتين المئويتين «الكارثي» يستلزم أن تغلق دول عالمية كثيرة محطات الفحم.
بدأ قادة الصين يدركون الحاجة إلى التغيير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فقد جلبت سياسة «تحقيق النمو الاقتصادي بأي ثمن» قدراً عظيماً من الرخاء، لكن الأضرار الجانبية التي لحقت بهواء الصين ومياهها تنامت إلى حد غير مقبول. وقد دعا أنصار حماية البيئة إلى «بناء حضارة إيكولوجية»، تجد فيها الطبيعة والبشرية توازناً متناغماً.
وعندما تولى الرئيس شي جين بينج السلطة في عام 2012، سارَعَ إلى تبني هذه القضية.
في تتابع سريع للأحداث، أعلنت الحكومة الصينية «الحرب على التلوث»، ووضعت خطط عمل منفصلة لمعالجة الهواء، والماء، والتربة، وخصصت تريليون دولار لتنظيف البيئة، وأغلقت محطات الفحم غير الفَـعّـالة، واستثمرت مئات المليارات من الدولارات في تطوير الطاقة المتجددة. كما جعلت التصنيع المحلي ومبيعات المركبات الكهربائية أولوية عالية، وابتكرت نظاماً لمقايضة الكربون على مستوى البلاد.
خَـلـص تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2019 إلى أن الحد من تأثير الانحباس الحراري الكوكبي بحيث لا يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية نسبة إلى مستويات ما قبل الصناعة يتطلب خفض الانبعاثات العالمية بنحو 55% عن مستويات 2018 بحلول عام 2030. وتؤكد الدراسات أن جميع الدول مطالبة بالحرص على منع كل مسببات الاحتباس والتلويث للبيئة.
ولكن النظرة المنصفة ها هنا تقتضي منا التأكيد على أن حمى المنافسة مع أمريكا والتي تجر الصين إلى حقول كثيرة، تدفع إلى الأخطاء الكبيرة بحق البيئة.
وهذه ليست مسؤولية صينية فقط بل عالمية. تُرى ما الذي يفسر عودة الصين الواضحة إلى أساليبها المدمنة على الفحم؟
فقد تسببت الحرب التجارية الأخيرة بين الولايات المتحدة والصين في تعظيم مخاوف الصين بشأن أمن الطاقة، خصوصاً وأنها تستورد 70% من احتياجاتها من النفط، ونحو 40% من احتياجاتها من الغاز.
ورغم أن الصين بذلت قصارى جهدها في مجال الطاقة المتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإنها لا تستطيع توسيع نطاق هذه المصادر بالسرعة الكافية لتلبية الطلب المتوقع.
كما أن شبكة الكهرباء الحالية غير قادرة على نقل هذه الطاقة بكفاءة من منطقة غرب الصين النائية، حيث يجري إنتاج معظمها، إلى المناطق حيث يرتفع الطلب عليها. ويبدو الفحم ــ المتوفر وغير المكلف نسبياً ــ مصدراً حقيقياً جديراً بالثقة ومجرباً للطاقة في نظر كثيرين.
* المنظم المشارك للمجموعة البيئية الصينية في معهد هاي ميدوز البيئي في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ الصيني والبيئة الفخري في كلية سميث، وهو مؤلف العديد من الكتب عن الصين، تضم «الكونفوشيوسية: مقدمة موجزة»، و«التلوث البيئي في الصين: ما يجب أن يعرفه الجميع»