نعلم الآن أن استخدامات الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الحياة ستتزايد مع استمرار تسارع وتيرة الابتكار. نعلم أيضاً أن الخصوم مُصممون على تحويل قدرات الذكاء الاصطناعي ضد بعضهم البعض، ولذلك، يتعين علينا التصرف بشكل فوري؛ نحن في أمريكا والغرب عامة والعالم الديمقراطي بمجمله.

من شأن المبادئ التي نُؤسسها، والاستثمارات التي نقوم بها، وتطبيقات الأمن القومي التي نعتمدها، والمنظمات التي نُعيد تصميمها، والشراكات التي نُقيمها، والتحالفات التي نبنيها، والمواهب التي نُشجعها أن تُحدد المسار الاستراتيجي لأمريكا والعالم الديمقراطي.

يتعين على الديمقراطيات أن تستثمر كل ما يلزم للحفاظ على ريادتها في المنافسة التكنولوجية العالمية، واستخدام الذكاء الاصطناعي على نحو مسؤول للدفاع عن الشعوب والمجتمعات الحرة، والنهوض بالعلوم لصالح البشرية جمعاء. حقاً، سيُعيد الذكاء الاصطناعي تنظيم العالم وسيُغير مجرى التاريخ البشري. يجب أن يقود العالم الديمقراطي هذه العملية.

لقد بدأ العالم في التعامل مع مدى عمق ثورة الذكاء الاصطناعي. ستخلق تقنيات الذكاء الاصطناعي موجات من التقدم في البنية التحتية الأساسية، والتجارة، والنقل، والصحة، والتعليم، والأسواق المالية، وإنتاج الأغذية، والاستدامة البيئية. من شأن النجاح في اعتماد الذكاء الاصطناعي أن يدفع الاقتصادات إلى الأمام ويُعيد تشكيل المجتمعات ويُحدد البلدان التي ستضع القواعد للقرن القادم.

تتزامن هذه الفرصة المُتاحة أمام الذكاء الاصطناعي مع لحظة من الضعف الاستراتيجي. وقد جادل الرئيس الأمريكي جو بايدن أن أمريكا في «منافسة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين». وهو على حق.

ومع ذلك، ليست الولايات المتحدة وحدها المُعرضة للخطر، بل حتى العالم بأسره، حيث تُشكل ثورة الذكاء الاصطناعي أساس التنافس الحالي. يجب أن نثبت أن الديمقراطيات يمكن أن تنجح في عصر الثورة التكنولوجية.

لقد أضحت الصين اليوم منافسًا تكنولوجيًا قويًا، فهي مُنظمة ومُجهزة بالموارد ومُصمِّمة على الفوز بهذه المنافسة التكنولوجية وإعادة تشكيل النظام العالمي لخدمة مصالحها. يُعد الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيات الناشئة أمرًا محوريًا في الجهود التي تبذلها الصين لتوسيع نفوذها العالمي، وتجاوز القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، وتأمين الاستقرار المحلي.

من الواضح أن المنافسة الاستراتيجية مع الصين لا تعني أنه لا ينبغي لنا العمل مع الصين لما يكون ذلك مُجديًا. يتعين على الولايات المتحدة والعالم الديمقراطي الاستمرار في التعامل مع الصين في مجالات مثل الرعاية الصحية وتغير المناخ. لن يكون وقف التجارة والعمل مع الصين مسارًا مُجديًا للمضي قدمًا.

هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لضمان قدرة الولايات المتحدة والعالم الديمقراطي على ربط التكنولوجيا العملية من الناحية الاقتصادية بالدبلوماسية والمساعدات الخارجية والتعاون الأمني للتنافس مع الصين.

تسعى الولايات المتحدة والدول الأخرى إلى اللحاق بالركب من خلال الاستعداد لخوض هذه المنافسة التكنولوجية العالمية.

تُعد المنافسة العالمية للتكنولوجيا في النهاية منافسة للمفاهيم. بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، يمكننا تعزيز الأطر القائمة واستكشاف أطر جديدة لتشكيل برامج ومعايير وقواعد الغد وضمان تجسيدها لمبادئنا. إن توسيع نطاق قيادتنا العالمية في مجال البحث التكنولوجي والتطوير والحوكمة والمنصات من شأنه أن يضع ديمقراطيات العالم في أفضل وضع لاستغلال الفرص الجديدة والدفاع ضد مواطن الضعف. في الواقع، لا يمكننا وضع معايير لتطوير هذه التكنولوجيا البالغة الأهمية واستخدامها على نحو مسؤول إلا من خلال الاستمرار في قيادة تطورات الذكاء الاصطناعي.

يوفر التقرير النهائي للجنة الأمن القومي للذكاء الاصطناعي خارطة طريق المجتمع الدولي الديمقراطي للفوز في هذه المنافسة.

أولاً، يتعين على العالم الديمقراطي استخدام الهياكل الدولية القائمة - بما في ذلك منظمة حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة الدول السبع، والاتحاد الأوروبي - لتعميق الجهود الرامية إلى التصدي لجميع التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة.

وبذلك، تُعد رئاسة المملكة المتحدة الحالية لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أمرًا مُشجعًا، وذلك في ظل أجندتها التكنولوجية القوية والجهود المبذولة لزيادة التعاون فيما يتعلق بمجموعة من المبادرات الرقمية. يعكس قرار مجموعة السبع بإشراك أستراليا والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا اعترافًا مهمًا بضرورة إشراك الدول الديمقراطية من جميع أنحاء العالم في هذه الجهود.

ثانيًا، نحن في حاجة إلى هياكل جديدة، مثل المجموعة الرباعية - الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا - لتوسيع نطاق الحوار بشأن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة وآثارها، وكذا من أجل تعزيز التعاون في تطوير المعايير والبنية التحتية للاتصالات والتكنولوجيا الحيوية وسلاسل التوريد. يمكن أن تُشكل المجموعة الرباعية أساسًا للتعاون الأوسع نطاقًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ عبر الحكومة والصناعة.

وثالثًا، نحتاج إلى بناء تحالفات إضافية حول الذكاء الاصطناعي ومنصات التكنولوجيا المستقبلية مع حلفائنا وشركائنا. وقد دعت لجنة الأمن القومي المعنية بالذكاء الاصطناعي إلى إنشاء تحالف يتكون من الديمقراطيات المتقدمة لمزامنة السياسات والإجراءات حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الناشئة في سبعة مجالات أساسية:

● وضع وتنفيذ معايير وقواعد لدعم القيم الديمقراطية وتطوير تكنولوجيات آمنة وموثوقة.

● تعزيز وتسهيل البحث والتطوير المنسقين والمشتركين بشأن الذكاء الاصطناعي والهياكل الأساسية الرقمية التي تنهض بالمصالح المشتركة وتُفيد البشرية.

● تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون من خلال بذل جهود مشتركة لمكافحة الرقابة وسوء تنظيم العمليات الإعلامية والاتجار بالبشر والاستخدامات غير الليبرالية لتكنولوجيات المراقبة.

● استكشاف السبل الكفيلة بتسهيل تبادل البيانات بين الحلفاء والشركاء من خلال اتفاقيات التمكين، والإجراءات المُشتركة لحفظ البيانات.

● تعزيز وحماية الابتكار.

● تطوير المواهب المتعلقة بالذكاء الاصطناعي من خلال تحليل تحديات سوق العمل.

● إطلاق مبادرة الديمقراطية الرقمية الدولية لملاءمة جهود المساعدة الدولية من أجل تطوير وتعزيز وتمويل اعتماد الذكاء الاصطناعي والتقنيات المرتبطة به.

لا يمكن الحفاظ على هذا الزخم إلا من خلال العمل المُشترك. تُشكل الشراكات - بين الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية - ميزة رئيسية غير متكافئة تتمتع بها الولايات المتحدة والعالم الديمقراطي للتغلب على منافسينا.

كما أظهرت الأحداث الأخيرة في أفغانستان، تظل قدرات الولايات المتحدة ضرورية في عمليات الحلفاء، ولكن يتعين على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لحشد الحلفاء حول قضية مشتركة. تُبشر هذه الحقبة من المنافسة الاستراتيجية بتغيير عالمنا، ويمكننا إما إحداث التغيير أو الانسياق وراءه.