مَرَّ وقت طويل منذ أن انتقلت المناقشات الجادة بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية من أفكار قائد البيت الأبيض، الرئيس الأمريكي الأسبق جونسون، التي تقترح إشراق محيطات العالم. وتتصور الطريقة الأكثر مناقشة اليوم بذر جزيئات عاكسة صغيرة في طبقة الستراتوسفير السفلى لتقليد تأثيرات التبريد العالمية الناجمة عن الانفجارات البركانية الكبيرة. (هذا بالضبط ما تفعله الحكومة الهندية في الرواية الجديدة، وزارة المستقبل، لكاتبها، مؤلف الخيال العلمي كيم ستانلي روبنسون، في أعقاب موجة الحر التي أودت بحياة عشرات الملايين من الناس).

ويصف البعض هذا النطاق من الهندسة الجيولوجية بأنه خيار «الخطوة الأخيرة» الذي يجب أن يعتمد فقط في حالات الطوارئ الكوكبية. ويشدد آخرون على أنه لا ينبغي النظر إليه إلا على أنه مكمل محتمل لعمليات التقليص الخطيرة للانبعاثات والتدخلات الأخرى، بما في ذلك التكيف وإزالة الكربون، اللتان تتبع كل منهما طرقاً مختلفة في معالجة مخاطر المناخ.

ولكن، مرة أخرى، أولئك الذين يناقشون فقط القيام بالمزيد من البحث في الهندسة الجيولوجية الشمسية يتخيلون أشياء ذات «مخاطر أخلاقية» شديدة، كما لو أن مجرد دراسة هذه القضية من شأنها أن تصرف الانتباه عن تخفيضات الانبعاثات. ويجب تجاوز تلك الحجة. ولنتذَكر أن تدابير التكيف كان ينظر إليها بنفس الطريقة.

بغض النظر عما إذا كان المرء يعتقد أن الهندسة الجيولوجية الشمسية خطيرة بطبيعتها، أو يحتمل أن تكون مفيدة، أو كلتا الحالتين، يجب على المرء أن يدعم بحثاً أكثر حرصاً وانفتاحاً وشفافية بشأن هذه المسألة. ولسنا في وضع يسمح لنا برفض الحلول المحتملة لأزمة المناخ رفضاً قاطعاً. وبالأحرى، يمكن لأبحاث الهندسة الجيولوجية أن تساعد في تثقيف الجهات التي ما زالت عاجزة عن تقليص الانبعاثات.

وعلى أي حال، سيزيد الفشل في كسر الروابط الأخرى في السلسلة المناخية من احتمال أن تصبح إزالة الكربون أو الهندسة الجيولوجية الشمسية مكوناً رئيسياً في حافظة سياسات المناخ في القرن الحادي والعشرين، سواء شِئنا أم أبَينا.

لن تكون هناك، في نهاية المطاف، أي طريقة لتحقيق الاستقرار في المناخ دون معالجة مشكلة إطلاق البشر لكميات كبيرة جداً من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، كل عام. ولكن الاستجابة لأزمة المناخ لا تقتصر على خفض الانبعاثات، ولا على الاقتراح الذي أدلى به العلماء منذ أكثر من نصف قرن في أول تقرير حكومي على الإطلاق بشأن تغير المناخ.

ولمعالجة مشكلة وجود «ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي»، أشارت اللجنة الاستشارية العلمية لرئيس الولايات المتحدة آنذاك، ليندون جونسون، إلى أن «الحل» لا يكمن في تقليص الانبعاثات، لأن ذلك قد يبدو مكلفاً وصعباً إلى درجة لا يمكن تصورها. والأحرى، اقترحت اللجنة إمكانية تخفيف آثار ثاني أكسيد الكربون المفرط في الغلاف الجوي، عن طريق إضاءة محيطات العالم لإشعاع المزيد من الحرارة في الفضاء مرة أخرى.

ومنذ ذلك الحين، اقترح العلماء ومؤلفو الخيال العلمي على حد سواء طرقاً إضافية تتعلق بـ«الهندسة الجيولوجية». ومنها ما هي أكثر واقعية من غيرها، ولا يمكن لأي فكرة منها أن تحل محل الأولوية العالية المتمثلة في قطع الصلة بين النشاط الاقتصادي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فإن الانبعاثات ليست سوى الحلقة الأولى من عدة حلقات في السلسلة السببية الطويلة التي تربط بين النشاط الاقتصادي وأزمة المناخ.

وينتج عن النشاط الاقتصادي انبعاثات تزيد من تركيزات الغلاف الجوي، التي بدورها ترفع درجات الحرارة، وتخلق ظروفاً جديدة تضر برفاهية الإنسان. وفي حين أن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من غازات الاحتباس الحراري يعالج الجزء الأول من السلسلة السببية، فإن التكيف مع المناخ يعالج الجزء الأخير، الذي يتمثل في تغَير درجات الحرارة والتأثير على المجتمع. ولكن الجزء الأخير لا ينبغي أن يُصنف بالضرورة في ذيل الإجراءات التي تدخل في إطار الاستجابة لتغير المناخ. والأحرى أنه كان علينا وضع تدابير تكيف أكثر صرامة منذ وقت طويل، ويعود سبب هذا التأخير إلى تخوف طال أمده بين دعاة حماية البيئة، إذ يتخيلون أنه بمجرد ذكر التكيف من شأنه أن يقوض إلى حد كبير الهدف الأساسي المتمثل في الحد من انبعاثات الكربون. وبناءً على هذه الحجة، سيخلق التكيف «خطراً أخلاقياً»: فكرة أن عزل الناس عن عواقب أفعالهم سيقودهم إلى الانخراط في سلوك أكثر خطورة (سلوك يتعلق بأحزمة الأمان)،

ومنذ ذلك الحين، غيّر معظم دعاة حماية البيئة نبرة كلامهم، ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تجنب آل غور، نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك، مناقشة التكيف، خشية أن يقوض ذلك الجهود المبذولة للحد من الكربون. ومع ذلك، بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ هو ومعظم الآخرين في إدراجه على أنه نقطة تركيز جنباً إلى جنب مع التخفيف من الانبعاثات. وبحلول عام 2013، كان التكيف أحد المبادئ الأساسية لمخطط سياسة المناخ الذي وضعه مجلس مستشاري الرئيس باراك أوباما للعلوم والتكنولوجيا.

ولكن التخفيف والتكيف لا يستنفدان كل الخيارات، فإزالة الكربون يكسر على وجه التحديد الجزء الثاني من سلسلة الأسباب، بما في ذلك الانبعاثات والتركيزات. ومن الناحية الفنية، يمكن أن تظل الانبعاثات كما هي، مع إزالة كمية كافية من الكربون من الغلاف الجوي لتقليل التركيزات، وتقليل التأثير الصافي، وخلق التزام مناخي متمثل في تحقيق «صافي الصفر».

ويبدو هذا وكأنه حل يرضي الجميع، ولكن اتضح أنه اقتراح مكلف إلى حد ما، خاصة عند النظر إلى ما وراء الأشجار والحلول الأخرى «القائمة على الطبيعة»، إذ رغم أن هذه الحلول تعمل على إزالة الكربون من الغلاف الجوي، فإنها تحتفظ به في المحيط الحيوي وتكون عرضة لإزالة الغابات والكوارث الطبيعية على حد سواء. ويمكن للطرق الأخرى عالية التقنية إعادة الكربون إلى الغلاف الجوي، وتخزينه بصورة دائمة تحت الأرض (من حيث أتى قبل حرقه كطاقة أحفورية). وعلى غرار عمليات التكيف التي شهدتها العقود السابقة، فإن احتمالية إزالة الكربون تضع المخاطر الأخلاقية في المقدمة، مما يثير العديد من الأسئلة الصعبة المتعلقة بالسياسة.

مع وجود العديد من فرص التخفيف المتاحة، هل يمكننا حقاً تبرير دعم تقنيات إزالة الكربون باهظة الثمن؟ وفضلاً عن ذلك، لماذا ينبغي إعفاء كبار الملوثين من المحاسبة؟إن السؤال الثاني يصب في قلب العديد من المناقشات السياسية بشأن المناخ والسياسة الاقتصادية على نطاق أوسع، فهل يتسبب تغير المناخ في الكثير من التلوث، أم أنه مشكلة نمو اقتصادي في حد ذاته؟ إن الأشخاص الذين يؤمنون بالفرضية الثانية يدعون إلى كبح شامل للنشاط الاقتصادي وقوى السوق، أو إعادة توجيههما، بل إن البعض يدعو إلى «كبح النمو» وإحداث تحولات اجتماعية أخرى أكثر شمولاً.

وبالنظر إلى هذه العوامل المرتبطة ببعضها البعض، من السهل معرفة سبب ارتياب أولئك الذين على اليسار بشأن عملية إزالة الكربون، ولماذا قد يتوق لها أولئك الموجودون على اليمين.إن الديناميكيات السياسية التي تقود الجدل حول إزالة الكربون أقوى في مناقشات الهندسة الجيولوجية الشمسية. فمن خلال عكس المزيد من إشعاع الشمس، يهدف هذا التدخل المحتمل إلى كسر الرابط بين ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وارتفاع درجات الحرارة. ولن يعالج تحمض المحيطات والمشاكل الأخرى المرتبطة مباشرة بالتركيزات العالية في الغلاف الجوي، ولكن يمكن أن يكون له مزاياه الخاصة. ومن أهمها أن التأثيرات يمكن أن تكون شبه فورية، حيث تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة في غضون أشهر وسنوات، بدلاً من عقود وقرون.

* أستاذ مشارك إكلينيكي للدراسات البيئية بجامعة نيويورك

opinion@albayan.ae