لقد درس الباحثون حول العالم تأثيرات كوفيد 19 على سوق العمل منذ ربيع سنة 2020.
حيث توحي الإحصاءات بأن التباطؤ الاقتصادي العام الماضي كان أكثر حدة من التباطؤ الاقتصادي سنة 2009 نتيجة للأزمة المالية العالمية، كما أنه امتد لجميع المناطق. لقد أدت الجائحة إلى زيادة البطالة في الاقتصادات المتقدمة وأوقفت التقدم الحاصل في الحد من الفقر والجوع في العديد من الدول الأقل دخلاً.
لقد بدأ الاقتصاديون في الاهتمام بشكل أكبر بدور أنظمة الضرائب ومخصصات الإعانة على مستوى الدول في حماية الأسر خلال الجائحة.
لقد ركّزت معظم الأبحاث حتى الآن على البلدان المتقدمة، مثل فنلندا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، لكن هناك دراسات جرت مؤخراً قامت بتحليل برامج الضرائب والحماية الاجتماعية في جنوب أفريقيا وإندونيسيا ودول الأنديز.
لقد قامت دراسة جديدة للأمم المتحدة الآن بقياس تأثير أنظمة الضرائب ومخصصات الإعانة في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى خلال أزمة كوفيد 19.
حيث تعتبر هذه الدراسة تكملة مهمة للأبحاث المتعلقة بالدول مرتفعة ومتوسطة الدخل. لقد استخدمت الدراسة نماذج المحاكاة الدقيقة للضرائب ومخصصات الإعانة على مستوى الدول لتقييم الآثار التوزيعية لتدابير السياسة المختلفة خلال المرحلة الأولى من الجائحة في غانا وموزمبيق وتنزانيا وأوغندا وزامبيا.
لقد وجد التقرير أن السياسات التي استهدفت التخفيف من وطأة خسارة الدخل المرتبطة بالإغلاق في تلك البلدان كانت بشكل عام ناجحة في الوصول إلى الشرائح المستهدفة، لكن دفعات مخصصات الإعانة كانت قليلة جداً.
كما كانت تغطيتها ضيقة جداً، بحيث لم يكن بإمكانها التعويض عن التأثير الاقتصادي للجائحة، ومن بين الدول الخمس التي شملتها الدراسة نجد أن زامبيا التي عوضّت التحويلات النقدية الطارئة المرتبطة بكوفيد 19 فيها بعضاً من صدمة الفقر، كانت الدولة الوحيدة التي طبقت تدابير تقديرية كبيرة استجابة للجائحة.
إن هناك عدة عوامل تحد من قدرة أنظمة الضرائب ومخصصات الإعانة في أفريقيا على دعم السكان خلال الأزمات الاقتصادية.
وعلى عكس أوروبا فإن معظم الدول الأفريقية لديها اقتصاد غير رسمي كبير ومستويات منخفضة من تغطية الضمان الاجتماعي وعدد قليل نسبياً من مخصصات الإعانة المرتبطة بالدخل والقابلة للتعديل، ولهذا السبب فإن معظم الأسر في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى لا تصبح تلقائياً مؤهلة للحصول على مخصصات الإعانة عندما تعاني من صدمات الدخل المفاجئة.
وهكذا كانت مساهمة هذه الإجراءات التلقائية لتحقيق الاستقرار في دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى خلال المراحل الأولى من الجائحة محدودة أكثر مما كانت عليه في أوروبا، لكنها مماثلة في التأثير بما حصل في بلدان الأنديز، وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى إضفاء الطابع الرسمي على القطاعات الاقتصادية غير الرسمية الضخمة في أفريقيا.
يظهر تقرير الأمم المتحدة كذلك أي القطاعات في اقتصاد منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، وأجزاء توزيع الدخل، كانت الأكثر معاناة من أزمة كوفيد 19، وفي جميع البلدان الخمسة كان قطاع الخدمات، باستمرار من بين القطاعات الأكثر تضرراً في عام 2020، وبالطبع لا تنطبق هذه النتيجة على أفريقيا فحسب، بل أيضاً على معظم الاقتصادات المتقدمة.
لحسن الحظ فإن قطاع الزراعة لم ينكمش في أي من البلدان الأفريقية موضوع الدراسة، مما حمى الأسر الأكثر فقراً من خسائر كبيرة في الدخل.
إن التأثيرات السلبية للجائحة على الفقر وعدم المساواة في الدول الخمس جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، التي تم بحثها في دراسة الأمم المتحدة، كانت في البداية متواضعة نسبياً، لكن زيادة حالات كوفيد 19 وبرامج التطعيم البطيئة والموارد المالية المحدودة لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية توحي بوجود مخاطر كبيرة في هذا العام وما يأتي بعده.
وبينما تستمر الجائحة فإن الموارد المتناقصة للعديد من حكومات الدول النامية تسلط الضوء على أهمية تحسين تحصيل الضرائب على المديين المتوسط والبعيد. سوف تبقى المساعدات التنموية الدولية من أجل الحماية الاجتماعية لا غنى عنها في المحافظة حتى على المستويات المحدودة الحالية من المساعدة للناس الفقراء والضعفاء.
إن إعادة تشكيل أنظمة الضرائب ومخصصات الإعانة الأفريقية بحيث تؤدى بشكل أفضل أثناء الأزمات الاقتصادية هي أيضاً مسألة تتعلق بالبيانات، وعلى عكس الدراسات المماثلة للعالم المتقدم، لم يتمكن باحثو الأمم المتحدة الذين يدرسون منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى من الوصول إلى بيانات المسح التفصيلية حول التغيرات في الدخل أثناء الجائحة.
وعوضاً عن ذلك استخدموا تقنيات جديدة لتقييم كيفية تأثير الصدمة الاقتصادية عبر القطاعات المختلفة على دخل الأسر. إن الحصول على بيانات محدّثة حول كيفية أداء الأسر الأفريقية خلال فترة الانكماش الاقتصادي سيكون أمراً حيوياً لفهم وإدارة آثار جائحة كوفيد 19 والأزمات المستقبلية.
* باحث مشارك في المعهد العالمي لأبحاث اقتصاديات التنمية التابع لجامعة الأمم المتحدة
**زميلة أبحاث في المعهد العالمي لبحوث اقتصاديات التنمية التابع لجامعة الأمم المتحدة