في شهر يناير المقبل، سيدلي أعضاء البرلمان الإيطالي (ومعهم الممثلون الإقليميون) بأصواتهم السرية لانتخاب الرئيس التالي للبلاد.
وسوف يخلف اختيار البرلمان عواقب أوسع كثيراً مما قد يتصوره أغلب الناس. الواقع أننا اعتبرنا الانتخابات الرئاسية الإيطالية أحد ثلاثة اقتراعات يمكنها أن تحدد مصير الاتحاد الأوروبي في السنوات المقبلة، يتمثل الاقتراعان الآخران في الانتخابات الفيدرالية الألمانية التي عقدت في سبتمبر، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرنسية التي من المقرر أن تعقد في
من المعتقد في عموم الأمر أن الرئيس الإيطالي يؤدي دوراً مراسمياً فقط، مثل الرئيس الألماني. في الواقع، على الرغم من أن الدستور الإيطالي ينص على أن الجمهورية ديمقراطية برلمانية.
حيث تعتمد الحكومة على ثقة الهيئة التشريعية المنتخبة، فإن هذا النظام لا يُـعـمَـل به إلا أثناء فترات «الهدوء» النسبي.
عندما تهيمن على النظام السياسي أحزاب قائمة بوظيفتها على النحو الواجب وقادرة على تأمين أغلبية قوية في البرلمان، يصبح الدور الذي يضطلع به الرئيس هامشياً نسبياً. ولكن في فترات «الاضطراب»، عندما يتمكن الضعف من النظام السياسي ويعجز عن تسليم حلول قابلة للتطبيق، يصبح الرئيس الحل المنقذ في اللحظة الأخيرة.
تتمثل الأداتان الأكثر أهمية تحت تصرف الرئيس في سلطة تعيين رئيس الوزراء والموافقة على حكومة رئيس الوزراء، وسلطة حل البرلمان بعد «الاستماع» إلى رئيسي المجلسين.
علاوة على ذلك، بصفته الموقع الفعلي على جميع القوانين والمراسيم، يتمتع الرئيس الإيطالي أيضاً بسلطة إعادة التشريعات إلى البرلمان. كما يشغل الرئيس منصب القائد العام للجيش ومنصب رئيس الهيئة الحاكمة للسلطة القضائية.
نظراً لهذه الأدوار، أصبح من المسلم به لفترة طويلة أن هناك خطين للقيادة في إيطاليا، الأول يرأسه رئيس الوزراء، الذي يمارس السلطة من خلال وزراء الحكومة والنظام السياسي في عموم الأمر. رئيس الوزراء مسؤول رسمياً عن الشؤون الداخلية، وهو يخلف أعظم الأثر على حياة الناس اليومية. والشرعية السياسية هي المفتاح لعمل هذا المنصب على الوجه اللائق.
الخط الثاني للقيادة أكثر مؤسسية (وضمنية) من كونه سياسياً، فالرئيس مسؤول عن علاقة إيطاليا مع أوروبا، بما في ذلك التزامها بمعاهدات وقواعد الاتحاد الأوروبي، ومع حلفاء مثل الولايات المتحدة. يمارس الرئيس نفوذه من خلال الهياكل التكنوقراطية في وزارة الاقتصاد والمالية، وخاصة مكتب المحاسبة القوي وبنك إيطاليا.
في مناسبات سابقة عندما بدا النظام السياسي الإيطالي وكأنه ينحرف باتجاه مواقف شعبوية معادية لأوروبا، كان الرئيس هو الذي طمأن الحلفاء إلى التزام إيطاليا المستمر بالاتفاقيات الدولية.
تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيطاليا في لحظة حاسمة. بعد الموافقة على تلقي ما يقرب من 200 مليار يورو (225 مليار دولار أمريكي) في هيئة مِـنَـح مشروطة وقروض رخيصة من صندوق الاتحاد الأوروبي للجيل القادم، والذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو، ستشرع إيطاليا في تنفيذ برنامج إصلاحي طموح للفترة من 2022 إلى 2026.
من خلال إثبات إمكانية إعادة التوزيع داخل الاتحاد الأوروبي بكفاءة وفعالية، من الممكن أن تغير إيطاليا سياسات الاتحاد الأوروبي جوهرياً، مما يمهد الساحة لآلية إعادة توزيع دائمة وإنشاء اتحاد مالي.
سوف تكون التداعيات فيما يتصل بالسياسات عميقة، فسوف يصبح لدى الاتحاد الأوروبي قدر أعظم من الوسائل لربط الدعم المالي بالإصلاح البنيوي الوطني، بهدف زيادة إمكانات نمو الكتلة.
في الوقت ذاته، ستلعب السياسة النقدية دوراً أصغر نسبياً، مع تركيز البنك المركزي الأوروبي بشكل قصري تقريباً على السيطرة على التضخم، بدلاً من ملاحقة تدابير الباب الخلفي لتقاسم المخاطر في غياب الخزانة المشتركة.
ولكن إذا أثبتت إيطاليا أنها غير قادرة على إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي بشكل فَـعّـال، فسوف يتذكر التاريخ صندوق الاتحاد الأوروبي للجيل القادم على أنه ممارسة لمرة واحدة. وسيظل توفير الحوافز الاقتصادية مهمة يضطلع بها صناع السياسات المالية على المستوى الوطني والبنك المركزي الأوروبي.
لذا من الأهمية بمكان أن تنجح إيطاليا في جعل اقتصادها أكثر قدرة على المنافسة وأكثر كفاءة.
تظل إيطاليا تُـعَـد الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، وهذا يعني أن عملية صنع السياسات الإيطالية، وصناع القرار الذين يقفون من ورائها، ستكون أساسية لبقاء الاتحاد الأوروبي وازدهاره في السنوات المقبلة. إذا عادت الأحزاب الشعبوية إلى السلطة في ظل مستويات الدين والعجز المرتفعة بشدة بالفعل.
فقد يصبح استمرار إيطاليا في عضوية منطقة اليورو موضع شك، مما ينذر بجميع أشكال الارتباك والانقطاع في الأسواق. بعيداً كل البعد عن كونه مجرد طقس شكلي، لن نجد من العبارات ما يكفي للتأكيد على مدى أهمية التصويت الرئاسي المقبل في إيطاليا.
* الرئيس التنفيذي لمؤسسة «روبيني ماكرو أسوسييتس»، وهو المؤسس المشارك لموقع TheBoomBust.com