بعد مرور ما يقرب من أربعة عقود من التوسع الاقتصادي المذهل، لا ينبغي أن نقلل من قدرة الصين على الحفاظ على النمو رغم كل التحديات التي تبرز بين الفينة والأخرى. ومع ذلك، وبقدر ما كانت الصين مثيرة للإعجاب في بناء الطرق والجسور والمنازل، هناك عقبات الآن ترتبط بالوضع الاقتصادي العالمي وتأثيرات كورونا في ما يخص العقارات. لقد أثار الإفلاس الوشيك لشركة العقارات الصينية العملاقة إيفرجراند، بديونها البالغة 300 مليار دولار، قلق المستثمرين العالميين. وركز المحللون بشكل أساسي على إذا ما كانت الحكومة الصينية ستنجح في إحكام السيطرة على المشكلة، بحيث لا تتفاقم إلى أزمة مالية أوسع نطاقاً على الطريقة الغربية.

بالنظر إلى الإمكانيات المالية الكبيرة التي تتمتع بها الحكومة، بما في ذلك ما يزيد على 3 تريليونات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، وقدرتها على إملاء شروط إعادة الهيكلة دون تأخيرات طويلة في إجراءات المحاكم، لن يراهن سوى القليل من المراقبين ضد هذه النتيجة. لكن التركيز على الاستقرار المالي في الأمد القريب فقط يُغفل التحدي الأكبر الذي تواجهه الصين: إعادة التوازن إلى اقتصاد يعتمد منذ زمن بعيد على قطاع الاستثمار العقاري الضخم من أجل توفير الوظائف وتحقيق النمو.

في الواقع، إن الحصة الضخمة التي تساهم بها العقارات والخدمات ذات الصلة في الناتج المحلي الإجمالي الصيني - بنسبة مذهلة تبلغ %25، وتقل عن ذلك قليلاً فقط بعد مراعاة صافي الصادرات - تتجاوز حتى حصة قطاع العقارات في الاقتصادين الإسباني والأيرلندي خلال ذروتهما قبل عام 2008. ونظراً لتأثيراته الممتدة إلى القطاعات الأخرى، فمن شأن أي تباطؤ شديد في قطاع العقارات في الصين أن يخفض بسهولة من نمو الناتج المحلي الإجمالي التراكمي بنسبة تتراوح بين %5-10 على مدى السنوات القليلة التالية.

علاوة على ذلك، تُعد العقارات إلى حد بعيد أهم وسيلة ادخار في اقتصاد تعوق فيه ضوابط رأس المال قدرة المواطنين على الاستثمار في الخارج. ومن ثم، فإن حدوث انخفاض كبير في أسعار العقارات لن يؤدي إلى إثارة حالة من الاستياء على نطاق واسع فحسب، ولكن أيضاً إلى تراجع كبير محتمل في استهلاك السلع والخدمات الأخرى.

أليس بمقدور ماكينة العقارات الصينية أن تستمر في العمل بأقصى سرعة، مع الوضع في الاعتبار ضرورة إسكان 1.4 مليار شخص في البلاد؟ هذا ممكن. لكن الصين أخذت في بناء المنازل والمباني السكنية بوتيرة سريعة منذ عقود، ليس فقط في مدن الدرجة الأولى ولكن أيضاً في مدن الدرجة الثالثة والرابعة الأقل جاذبية، حيث تقل الأسعار وتزيد معدلات الشغور.

نتيجة لذلك، وصل إجمالي المعروض من المساكن في الصين، الذي يقاس بالمتر المربع للفرد، بالفعل إلى مستويات الاقتصادات الأكثر ثراءً مثل ألمانيا وفرنسا. وعلى الرغم من انخفاض متوسط جودة الإسكان في الصين وإمكانية تحسينه، إلا أن المستوى الهائل لبناء العقارات في الوقت الراهن لا يُمكن أن يوصف بأنه مستدام. وبالنظر إلى معدل شغور المساكن في المناطق الحضرية من الصين، الذي يبلغ الآن %21، تدرك السلطات تماماً ضرورة تحويل الموارد الإنتاجية إلى قطاعات أخرى.

خرج الاقتصاد الصيني منتصراً من الجائحة، ولوهلة من الزمن كان موضع حسد العالم، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى استراتيجية «صفر كوفيد» التي تبنتها الحكومة. لكن المستقبل يبدو بحاجة للكثير من الجهود المضاعفة للتصدي لكل العقبات التي تظهر في الطريق. إن مسؤولية هذا الأمر ليست مقصورة على الجهات الحكومية، ولا بد أن تشترك فيها جهود كافة المؤسسات والأفراد، فالمسؤولية مجتمعية وعلى الجميع الاشتراك فيها لدعم الجهود الحكومية.

إن مرونة الحراك الاقتصادي التي تتصف بها الصين، كفيلة بالتأكيد في جعلها تتخطى هذه المحطة بجدارة وثقة. ولكن على كافة الشركات الإسهام الفاعل في الصدد لما فيه مصلحتها ومصلة المجتمع بوجه عام. إن السوق العقاري ركيزة أساسية في الاقتصاد الصيني والموارد المالية، وعلى كافة الجهات أن تعي أهميته في الصدد.

* كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي سابقاً، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.