في الأمد البعيد، ربما يكون من الأفضل للجميع أن يتقلص قطاع الوقود الأحفوري في مختلف أنحاء العالم. وبينما تسعى الحكومات الغربية إلى ابتكار سياسات طاقة قوية بيئياً وجيوسياسياً، فيجب أن يساعد هذا الـفِـكر في تركيز العقول.
كانت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا سبباً في تضخيم أهمية اعتبارات الأمن القومي في تشكيل سياسات الطاقة في الدول الغربية. في الوقت ذاته، يتعين على الحكومات أن تستمر في التركيز على الحد من الأضرار البيئية، وبخاصة خفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. كل من الهدفين، الجيوسياسي والبيئي، مُـلِح وعاجل، ومن الأهمية بمكان تقييمهما معاً.
لا يتعارض هذان الهدفان بالضرورة، كما يتصور بعض الناس. فهناك وفرة من تدابير الطاقة التي يستطيع الغرب أن يتبناها والتي من شأنها أن تعود بالفائدة على البيئة وتعزز أهدافه الجيوسياسية. تتمثل الخطوات الأكثر وضوحاً، وخاصة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، في العقوبات، التي تعمل على تقليل الطلب على الواردات من الوقود الأحفوري من روسيا.
تكشف إحدى مراجعات المجالات المختلفة لسياسة الطاقة عن المزيد من الخيارات. هنا، أؤكد على ما يتوجب فعله وما يجب تجنبه من الاختيارات التي تبدو وكأنها تضمن الفوز للجميع، في مقابل القرارات السياسية، حيث تكون المقايضات حادة وقد يختلف عليها مراقبون حصيفون.
الاختيار الأول صريح: فلا ينبغي للحكومات أن تطيل أمد استخدام الفحم ويجب عليها أن تسحب إعانات دعم الفحم. تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن إعانات دعم الطاقة العالمية، سواء عند طرف الـمُـنتِـج أو المستهلك، تتجاوز خمسة تريليونات دولار سنوياً. جاء التقدير المتحفظ لإعانات الدعم المباشر وحدها للوقود الأحفوري في الولايات المتحدة بنحو 20 مليار دولار سنوياً.
بعد ذلك، ينبغي لصناع السياسات أن يعملوا على تنظيم الغاز الطبيعي. لقد حملت أوروبا القارية ذاتها على الاعتماد على الغاز الروسي، ومن الممكن أن تساعد شحنات الغاز الطبيعي الـمُـسال الأمريكية في الاستغناء عنه. ولكن إذا تجددت طفرة التكسير الهيدروليكي، التي خفضت بالفعل إجمالي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة خلال الفترة من 2007 إلى 2012، فيجب أن يعمل التنظيم الدقيق على خفض كمية غاز الميثان المنبعثة إلى الغلاف الجوي كجزء من هذه العملية بشكل كبير. ما يدعو إلى التفاؤل أن هذا التنظيم لن يكون باهظ التكلفة بالضرورة.
كما يشكل التوقف عن دعم النفط أيضاً ضرورة أساسية. تعادل إعانات الدعم البترولية العالمية ما يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنوياً. وإذا كان لزاماً على الولايات المتحدة أن تفتح المزيد من الأراضي الفيدرالية للحفر والتنقيب، فلا ينبغي لها أن تستمر في تقديم عقود الإيجار إلى شركات التنقيب بأسعار أقل من سعر السوق.
ينبغي للحكومات أن تستفيد أيضاً من المخزونات القائمة، كما فعل الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخراً من خلال الإعلان عن طرح كمية غير مسبوقة بلغت 180 مليون برميل من النفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي. إن قرار بايدن له مبرر حقيقي على مستوى الأمن القومي، لأن هذا الطرح من الممكن أن يساعد في التعويض عن بعض النقص المؤقت الحالي في الإمدادات.
يزعم بعض المراقبين أن الاحتياطي البترولي الاستراتيجي ليس كبيراً بالقدر الكافي لإحداث أي تأثير على أسعار النفط العالمية. لكن هذا التحرك الأمريكي كان مصحوباً بطرح احتياطيات طارئة مماثلة من قِـبَـل المملكة المتحدة، وألمانيا، وبلدان أخرى عديدة، بمجموع 240 مليون برميل على مدار الأشهر الستة المقبلة. يزعم بعض خبراء الاقتصاد أيضاً أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى احتياطي بترولي استراتيجي، لأنها لم تعد دولة مستوردة صافية للنفط. حتى لو اتفقنا معهم، فلن يكون هذا حجة ضد طرح المزيد من الاحتياطيات، بل ضد إعادة تخزين احتياطي بترولي استراتيجي عند انتهاء الأزمة.
بالإضافة إلى هذا، ينبغي للحكومات أن تعمل على زيادة، وليس خفض، الضرائب على منتجات التجزئة البترولية.
يتعين على الحكومات أن تُـبـقـي على الزخم وراء مصادر الطاقة المتجددة. ومواصلة الاتجاه الأخير نحو تعزيز طاقة الرياح والطاقة الشمسية أمر مهم لأسباب جيوسياسية وبيئية. بوسع إعانات الدعم الحكومية لمصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك لدعم البحوث في تكنولوجيات التخزين، أن تلعب دوراً مهماً. ولكن ينبغي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيضاً اتخاذ الخطوة الأقل شعبية المتمثلة في خفض، وليس زيادة، التعريفات الجمركية وغير ذلك من حواجز الحماية التي تؤثر على الواردات من الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح ــ الواردات التي ساعدت في خفض تكاليف الطاقة المتجددة.
في الوقت ذاته، يتعين على الحكومات أن تستجمع شجاعتها لإطالة أمد بقاء محطات الطاقة النووية.