في وقت تتعرض فيه العديد من الديمقراطيات للتهديد، فإن من المهم تسليط الضوء على قصص النجاح. أن جنوب أفريقيا قد لا تكون الدولة الأولى التي تتبادر إلى الذهن كنموذج للديمقراطية ولكن يجب أن تكون كذلك، فخلال 28 سنة منذ انتهاء نظام الفصل العنصري الابارتهايد سنة 1994، عملت جنوب أفريقيا على تطوير نموذج حكم تعددي ومتعدد الأعراق يتضمن برلماناً متعدد الأحزاب وقضاء مستقلاً وصحافة حرة ومجتمعاً مدنياً نشطاً وشبكة أمان اجتماعي واسعة.

إن من الممكن أن يفترض المرء العكس بكل سهولة فتغطية وسائل الإعلام العالمية لجنوب أفريقيا عادة ما تهيمن عليها قصص الجريمة العنيفة والفساد الحكومي مما يعطي أجزاء كبيرة من العالم صورة مشوهة عن جنوب أفريقيا.

منذ تأسيس جنوب أفريقيا الحديثة سنة 1909 وانتخاب نلسون مانديلا كرئيس سنة 1994 احتفظت أقلية عرقية بالتفوق السياسي من خلال القوة القانونية والعنف ولقد ازدهر الاقتصاد بالنسبة للبيض، ولكن غالبية الشعب من السود كانوا يعانون في أغلبيتهم الساحقة من الفقر بالإضافة إلى حرمانهم من التعليم المتساوي وفرص العمل. لقد قيدت الحكومة حركة السود وحياتهم بشكل أكثر شمولية مقارنة بوضع جنوب الولايات المتحدة الأمريكية تحت ظل قوانين الفصل العنصري لجيم كراو.

إن إرث الأبارتايد يعني انه عندما تولى المؤتمر الوطني الأفريقي السلطة سنة 1994 كانت ظروف المعيشة غير متساوية بشكل مروع وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي كانت الغالبية الساحقة من السكان البيض يعيشون في منازل حديثة مع القدرة على الوصول للمياه من خلال الأنابيب والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية..

لقد انعكس التقدم الذي حققته جنوب أفريقيا خلال الخمس وعشرين سنة الماضية في كيفية تحسن تلك الأرقام فحالياً يعيش حوالي 80% من السود في هياكل مبنية و65% لديهم إمكانية الوصول بشكل مباشر للمياه من خلال الأنابيب وأكثر من 95% لديهم إمكانية الوصول للكهرباء. لقد تمكنت الحكومة من تحقيق تقدم في انجاز وعد مكتوب في دستور ما بعد حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا حيث بنت الحكومة 3.2 ملايين منزل للفقراء بين عامي 1994 و 2018.

إن المسار الذي اتبعته جنوب أفريقيا بعد انتهاء حقبة الفصل العنصري هو مثال على «التنمية الكريمة» وبغض النظر عن تقسيمات العرق واللغة والجنس والثروة وحالة الإعاقة فلقد تم تكريس حقوق الأشخاص وأصواتهم وتاريخهم في القانون والممارسة والتي يتم الدفاع عنها بشكل قوي من المجتمع المدني.

لكن مهما يكن من أمر وفي السنوات الأخيرة عبّر مواطنو جنوب أفريقيا عن إحباط متزايد من نظام الحكم لديهم وفي استطلاع أفروباروميتر عام 2015 قال 48٪ فقط من المشاركين بالاستطلاع إنهم راضون أو راضون تمامًا عن أسلوب عمل الديمقراطية وبحلول عام 2018 انخفض هذا الرقم إلى 42٪ ثم تآكل هذا الرقم بشكل أكبر سنة 2021 ليصل إلى 31٪ فقط ممن شملهم الاستطلاع.

على الرغم من أن السكان البيض في جنوب أفريقيا يشكلون أقل من 10% من مجموع السكان، فإن استمرار هيمنتهم الاقتصادية وعلاقاتهم الدولية قد جعلتهم محاورين مهمين فيما يتعلق بتشكيل الرأي العام العالمي عن البلاد وهم في معظم الأحيان الأكثر انتقاداً للحكومة.

يشتكي الناس في جنوب أفريقيا من جميع الأعراق من الفساد وارتفاع معدل الجريمة والبطالة بالإضافة إلى تفاوت اقتصادي كبير جداً.

* أستاذ العلوم السياسية وأفريقيا المعاصرة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مؤلف كتاب: جنوب أفريقيا بعد الفصل العنصري